وقف بيومي الأرمل بين نخبة من رجاله في بهو الاستقبال بالدار الحمراء ينظر فيما حوله ويتعجب .. ترى هل تفوق سراي السلطان هذه الدار في شيء؟! وجاءت المرأة مقنعة الوجه، محتشمة الجسد. - أهلا بكبير الشرطة في دارنا المتواضعة.
فقال بخشونة: لا شك في أنك علمت بالجريمة التي ارتكبت عند مدخل دارك؟
فقالت بتأثر: لا تذكرني بها فلم يغمض لي جفن منذ ارتكابها.
فقال بحدة: لا أصدق كلمة مما تزورين، أجيبي عن أسئلتي بالصدق، ما اسمك؟ - أنيس الجليس. - اسم مريب، من أي البلاد جئت؟ - أمي من الهند وأبي من فارس وزوجي من الأندلس! - متزوجة؟ - نعم، وقد تلقيت من زوجي رسالة ينبئني فيها بقرب قدومه. - أتمارسين الدعارة بعلمه؟ - أعوذ بالله، إني امرأة شريفة.
فهز رأسه ساخرا: وما شأن الرجال الذين يترددون عليك؟ - أصدقاء من سادة البلد ممن يطيب لهم الحديث في الشريعة والأدب. - عليك اللعنة، ألذلك أفلسوا وتقاتلوا؟ - إنهم كرماء ولا ذنب لي، وما كان يصح في آدابنا أن أرفض هداياهم ، ولا أدري كيف اندس الشيطان بينهم.
فقال بنفاد صبر: لدي أمر بمصادرة مالك الحرام.
أشار إلى رجاله فانتشروا في الدار ينقبون عن الحلي والجواهر والنقود .. في أثناء ذلك لبثا وحيدين صامتين .. خطف من نقابها نظرات مستطلعة بلا ثمرة. أما هي فلم تجزع .. استسلمت للقدر أو هكذا بدت، ثم تساءلت في عتاب: هل أعيش بعد اليوم من بيع أثاث داري؟
رفع منكبيه استهانة، فأزاحت النقاب عن وجهها قائلة: معذرة، حر الصيف لا يطاق.
نظر بيومي فصعق .. لم يصدق عينيه ولكنه صعق .. التصق بصره بوجهها فلم يستطع أن يسترده .. سبح في بحر الجنون المتلاطم .. فقد القوة والوظيفة والأمل .. دفن كبير الشرطة بيديه فانبعث من قبره مائة عفريت وعفريت .. دفعته آلاف الأيدي فكاد يتهاوى لولا سماعه عربدة أعوانه في الحجرات .. الرقباء والعيون قادمون، أما بيومي الأرمل فقد ضاع إلى الأبد .. وعادت تقول متوسلة: أسألك المروءة يا كبير الشرطة.
أراد أن يجيب إجابة خشنة تناسب المقام .. أراد أن يجيب إجابة ناعمة تناسب المقام .. لكنه غرق في الصمت.
Bilinmeyen sayfa