236

Parlak Işıkların ve Kalıcı Sırların Işıltıları

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Yayıncı

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Baskı Numarası

الثانية

Yayın Yılı

1402 AH

Yayın Yeri

دمشق

إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ، وَمِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ صَرَفَهُ، وَإِذَا شَاءَ بَصَّرَهُ، وَإِذَا شَاءَ نَكَّسَهُ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُسْلِكَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينَ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَفَاتِحُ الْقُلُوبِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، فَتَحَ لَهُ قُفْلَ قَلْبِهِ، وَالْيَقِينَ وَالصِّدْقَ وَجَعَلَ قَلْبَهُ وِعَاءً وَاعِيًا لِمَا سَلَكَ فِيهِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا، وَلِسَانَهُ صَادِقًا، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَجَعَلَ أُذُنَهُ سَمِيعَةً وَعَيْنَهُ بَصِيرَةً، وَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ شَيْئًا - يَعْنِي هُوَ شَرٌّ - مِنْ أَنْ يُسْلِكَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرِّيبَةَ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ شَرَّةً شَرِهَةً مُتَعَطِّلَةً لَا يَنْفَعُهُ الْمَالُ وَإِنْ أُكْثِرَ لَهُ، وَغَلَقَ اللَّهُ الْقُفْلَ عَلَى قَلْبِهِ، فَجَعَلَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ إِلَى السَّمَاءِ» " كَمَا رُوِيَ، ذَكَرُهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: ذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَشَابِهَاتِ: وَفِيهَا الْقَوْلَانِ: الْإِيمَانُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلٍ وَلَا لِمَعْرِفَةٍ بَلْ نُؤْمِنُ بِهَا، وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، ثَانِيهُمَا: يَتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ، قَالَ فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ الْمَجَازُ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي قَبْضَتِي، وَفِي كَفِّي. لَا يُرَادُ أَنَّهُ حَالٌّ فِي كَفِّهِ بَلِ الْمُرَادُ تَحْتَ قُدْرَتِي.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي خِنْصَرِي، وَبَيْنَ أُصْبُعِي أُقَلِّبُهُ كَيْفَ شِئْتُ يَعْنِي أَنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيَّ قَهْرَهُ، وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شِئْتُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ ﷾ يَتَصَرَّفُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَغَيْرِهَا كَيْفَ شَاءَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُهُ مَا أَرَادَهُ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا كَانَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ.
(قَالَ): خَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ، وَمِثْلَهُ بِالْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ تَأْكِيدًا لَهُ فِي نُفُوسِهِمْ، وَأَجَابُوا عَنْ تَثْنِيَةِ الْأَصَابِعِ مَعَ كَوْنِ الْقُدْرَةِ وَاحِدَةً بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّمْثِيلِ بِحَسَبِ مَا اعْتَادُوهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ.
وَفِي - نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ - إِطْلَاقُ الْأَصَابِعِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَجَازٌ كَإِطْلَاقِ الْيَدِ وَالْيَمِينِ وَالْعَيْنِ، وَهُوَ جَارٍ مَجْرَى التَّمْثِيلِ وَالْكِنَايَةِ عَنْ سُرْعَةِ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْقُودٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: وَتَخْصِيصُ ذِكْرِ الْأَصَابِعِ كِنَايَةٌ عَنْ إِجْرَاءِ الْقُدْرَةِ وَالْبَطْشِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالْيَدِ وَالْأَصَابِعِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

1 / 236