215

Parlak Işıkların ve Kalıcı Sırların Işıltıları

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Yayıncı

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Baskı Numarası

الثانية

Yayın Yılı

1402 AH

Yayın Yeri

دمشق

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّشَابُهَ يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَوَاطِئَةٍ، وَإِنْ زَالَ الِاشْتِبَاهُ بِمَا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ إِضَافَةٍ أَوْ تَعْرِيفٍ، كَمَا إِذَا قِيلَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ، فَهُنَا قَدْ خَصَّ هَذَا الْمَاءَ بِالْجَنَّةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الدُّنْيَا، لَكِنَّ حَقِيقَةَ مَا امْتَازَ بِهِ ذَلِكَ الْمَاءُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَنَا، وَهُوَ مَعَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ مَدْلُولُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الَّتِي هِيَ حَقِيقَتُهُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، يُنْكِرُونَ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، كَمَا بَسَطَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي التَّدْمُرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَدِ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَأَتْبَاعُهُمْ آمَنُوا بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْمُبَايَنَةِ الَّتِي بَيْنَ مَا فِي الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ مُبَايَنَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ أَعْظَمُ.
(وَالْفَرِيقُ الثَّانِي) الَّذِينَ أَثْبَتُوا مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَنَفَوْا كَثِيرًا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ مِثْلَ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ.
(وَالْفَرِيقُ الثَّالِثُ) نَفَوْا هَذَا وَهَذَا كَالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ اتْبَاعِ الْمَشَّائِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ حَقَائِقَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةُ هُمُ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُمْ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[إثبات الصفات والرد على النفاة]
«كَذَلِكَ» أَيْ كَمَا أَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ «لَا يَنْفَكُّ» أَيْ لَا يَخْلُصُ وَلَا يَزُولُ «عَنْ صِفَاتِهِ» الذَّاتِيَّةِ وَأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، فَذَاتُهُ الْمُقَدَّسَةُ لَيْسَتْ مِثْلَ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَصِفَاتُهُ كَذَاتِهِ لَيْسَتْ كَصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَنِسْبَةُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ صِفَةِ الْخَالِقِ إِلَيْهِ. وَلَيْسَ الْمَنْسُوبُ كَالْمَنْسُوبِ، وَلَا الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ كَالْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ، وَأَرَادَ النَّاظِمُ بِمَا ذَكَرَ الرَّدَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ صِفَةً قَدِيمَةً فَهُوَ مُشَبِّهٌ مُمَثِّلٌ، فَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمٌ قَدِيمٌ، أَوْ قُدْرَةٌ قَدِيمَةٌ كَانَ عِنْدَهُمْ مُشَبِّهًا مُمَثِّلًا، لِأَنَّ الْقِدَمَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ هُوَ أَخَصُّ وَصْفِ الْإِلَهِ فَمَنْ أَثْبَتَ لَهُ

1 / 215