Latife Bir An
اللمحة اللطيفة في ذكر أحوال كسوة الكعبة الشريفة
Türler
قال القرطبي: وقد اختلف الناس فيمن المخاطب بهذه الآية، فقال بعض العلماء: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم كأنه قام مقام الرسل كلها، كما في قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم}، والمراد بالأول نعيم بن مسعود، واحتجنا إلى هذا التأويل؛ لأن الرسل إنما وجدوا في أوقات متفرقة لم يشملهم الخطاب جملة إلا أن قدرته خطابا في الأزل، وقال الزجاج: الخطاب له عليه السلام، ودل على أن الرسل كلهم إذا أمروا وأكلوا الحلال، وقال الطبري: الخطاب لعيسى عليه السلام روي أنه كان يأكل من غزل أمه والمشهور أنه كان يأكل من بقل البرية ونباتها [وقال عليه السلام: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول]))، وقد نص الشارع على وجوب طهارة بدن المصلى [من الأدناس وطهارة ثوب المصلى إليه من الأدناس] وأوساخ الناس، وقد جاء أنه عليه السلام رأى نخامة في قبلة المسجد فتمعر وجهه، وأمر بحكها وجعل مكانها خلوقا، والنخامة مستقذرة لا نجسة، وتلك قبلة مسجد وهذه قبلة الإسلام؛ فيتعين تكريمها وصونها عن الأقذار والأنجاس والحرام، وما نشأ من الحرام، وقال الله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، وأتيح لنا هذا البحث، والتمثيل أن الطهارة المعنوية يتوقف عليها القبول، كما أن الطهارة الشرعية يتوقف عليها الصحة، وأن من قصده تطهير هذا الملبس الشريف عن المكوس، فقد أحيا من الشريعة الرسوم والمعالم، وكتب الله له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة؛ لأنها نية من يؤمن دل عمله على أنه حصل على درجة الاستقامة، والطريق الموصل إلى هذا القصد الأسنى وحسن الزيادة، وزيادة الحسنى ما وقع بهذه الإشارة الشريفة من وقف أراضي الخراج التي هي بقية فتوح الإسلام، ومما أفاء الله على رسوله إلى أن وصلت إلى يد هذا الإمام، فأثبت الله في صحايفه هذا الأجر الحسن، ومما كان يفعل قبل هذا الزمان من صرف أموال الاستعمالات لهذه الكسوة الشريفة من المكس المأخوذ من تجار الثوب، والحرير، والجهات المشوبة بالمظالم والتقرير، وقد وافق ذلك فعل الإمام عمر رضي الله عنه من وجهين:
أحدهما: أنه كان يصرف مال الكسوة من بيت المال، وكان إذ ذاك خراجا صرفا وفيا خالصا، يصرف منه على زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين من الصحابة رضوان الله عليهم، وغيرهم، فجعل مصرف الكسوة، وذلك المصرف الحلال مصرفا واحدا.
الوجه الثاني: أنه كان يرسل إلى عامل مصر يحوك له الكسوة من القباطي وهو أفخر ثياب مصر، ويحملوه في كل عام إلى مكة زادها الله شرفا، وقد وافق نسجها وحملها من مصر فعل عمر، فهذا فعلان من مال خاص وبلد خاص. فالحمد لله الذي وافق فعل هذا السفير البشير بالخيرات فعل من وافق فعله فعل الله في أمور مهمات.
Sayfa 150