المجلد الأول
مقدمة
...
كتاب اللمحة في شرح الملحة
تأليف: محمد بن الحسن الصايغ (٦٤٥ - ٧٢٠هـ)
تحقيق: إبراهيم بن سالم الصاعدي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المحقق
أَحْمَدُ الله - تَعَالَى - حَمْدًا يَليْقُ بِجَلاَلِهِ، عَلَى مَا أَسْدَاهُ مِنْ دَقَائِقِ نَعْمَائِهِ، وجَلاَئِلِ آلاَئِهِ، وصَلاَةً وسَلاَمًا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَبَعْدُ؛ فَإِنَّ فِي مَكْتَبَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ تُرَاثًا غَزِيرًا، حَفَلَتْ بِهِ مُنْذُ أَنْ مَكَّنَ اللَّهُ لِهَذهِ الأُمَّةِ فِي الأَرْضِ بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا مِنْ إِقَامَةِ دِيْنِهِ، وَتَحْكِيْمِهِ فِي كُلِّ صُقْعٍ حَلَّتْ فِيهِ.
وَكَانَ لِعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا نَصِيْبٌ مَوْفُورٌ فِي خَزَائِنِ الكُتُبِ شَرْقًا وَغَرْبًا؛ وَكَانَت تِلْكَ الْخَزَائِنُ مَرْجِعًا لِطُلاّبِ العِلمِ على مُخْتَلَفِ العصور؛ حتّى عَصْرنَا هذَا الّذي تَيَسّرتْ فِيهِ أَسْبَابُ الإِفَادَة مِنْ ذَلِكَ الرَّصِيدِ الضَّخْمِ، حَيْثُ فَتَحَتِ الْجَامِعَاتُ أَبْوَابَهَا، وَمَدَّتْ يَدَ الْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِطُلاَّبِ الْعِلْمِ وَالْمَعْنِيِّينَ بِتَحْقِيقِ التُّرَاثِ؛ ليَعُمَّ الانْتِفَاعُ بِهِ.
وَلَقَدْ وَدِدْتُ أَنْ أُشَارِكَ بِسَهْمٍ فِي هَذَا الْمَجَالِ الرَّحْبِ؛ فَأَخَذْتُ أَبْحَثُ تَارَةً وَأَسْأَلُ أَهْلَ الشَّأْن تَارَةً، حَتَّى اهْتَدَيْتُ - بِفَضْلِ اللَّهِ - إِلَى شَرْحٍ نَفِيْسٍ مِنْ شُرُوحِ (مُلْحَةِ الإِعْرَاب)، وَهُوَ المُسمّى (اللَّمْحَةَ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ) لمحمَّد بنِ الحسن الصَّايِغ، فَاسْتَشَرْتُ
1 / 7
شكر وتقدير:
أَحْمَدُ اللهَ العَليّ العظيمَ الَّذِي سلَكَ بِي سَبِيلَ العِلْمِ، وَوَفَّقَنِي لإتمام هذا الكِتَاب.
ثُمَّ أَشْكُرُ لِوالِديّ اللّذين كَانَ لَهُمَا الفَضْلُ بَعْد اللهِ تَعَالى فِي مُوَاصَلَة دِرَاسَتِي العُلْيَا؛ حَيْثُ هَيَّا لِي كُلَّ السُّبل، وحَثَّانِي عَلَى إِنْجَازِ هَذَا العَمَل، فَأَسْأل اللهَ أَنْ يَجْزِيَهُمَا عَنِّي خَيْرًا، وَيُبَارِكَ فِي عُمْرِهِمَا.
كَمَا أَشْكُرُ الْقَائِمِينَ عَلَى هَذَا الصَّرْحِ الْعِلْمِيِّ الشَّامِخِ؛ أَعْنِي الْجَامِعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ فِي الْمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ الَّذِيْنَ مَا فَتِئُوا يُولُونَ أَبْنَاءَ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ جُهُودَهُمْ المُبَارَكَة، وَيُعِدُّونَهُمْ لِتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَلَى هَدْيٍ مِنَ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ.
كَمَا أُزْجِي الشُّكْرَ لِفَضِيْلَةِ شَيْخِي وَمُشْرِفِي الدُّكْتُور مُحَمَّدُ بْنُ عَوَضٍ السِّهْلِيّ؛ الَّذِي تَكَرَّمَ بِالإِشْرَافِ عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَة، وَأَعْطَانِي مِنْ وَقْتِهِ الثَّمِين مَا أَعْطَانِي، وَوَاكَبَ خُطُوَاتِ البَحْثَ، وَشَارَكَنِي هُمُومَهُ؛ فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِيْهُ خُلُقَ الْعُلَمَاءِ، وَكَرَمَ الْفُضَلاءِ؛ فَجَزُاهُ اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَبَارَكَ فِيْهِ وَفِي عَقِبِهِ، وَجَعَلَ مَا قَدَّمَهُ لِي فِي مِيْزَانِ حَسَنَاتِهِ.
1 / 10
مَشَايِخِي الأَجِلاَّءَ فِيهِ، فَامْتَدَحُوا الْكِتَابَ، وَأَشَارُوا عَلَيَّ بِتَحْقِيقِه؛ لِذَا عَقَدْتُ الْعَزْمَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَدِرَاسَتِهِ - مُسْتَعِيْنًا بِاللَّهِ تَعَالَى-، لِيَكُونَ مَوْضُوعَ رِسَالَتِي العالمِيّة (المَاجستير)؛ وَكَانَ مِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْنِي إِلَى ذَلِكَ مَا يَلِي:
١-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ شَرْحٌ لِمَنْظُومَةِ (مُلْحَةِ الإِعْرَابِ) الَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَوَائِلِ الْمَنْظُومَاتِ النَّحوِيَّةِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا كَامِلَةً؛ وَلَقَدْ طَبَّقَتْ شُهْرَتُهَا الآفَاقَ، إِذْ تَنَاوَلَهَا جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ شَرْحًا وَاخْتِصَارًا وَإِعْرَابًا.
٢-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ يُعَدُّ مِنْ أَوْسَعِ الْكُتُبِ الَّتِي شَرَحَتِ (الْمُلْحَة)؛ فَقَدْ تَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ عَرْضِهِ لِلْمَسَائِلِ النَّحوِيَّةِ، وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَتِهَا، وَكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ، وَتَنَوُّعِهَا.
٣-أَنَّ مُؤَلِّفَ هَذَا الْكِتَاب عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّامِن، وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي نَشِطَتْ فِيهِ الدِّرَاسَاتُ الإِسْلاَمِيَّةُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمُؤَلَّفَاتُ، وَتَمَيَّزَ فِيهِ كَوْكَبَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الأَعْلاَمِ، كَأَبِي حَيَّان، وَالْمُرَادِي، وَابْنِ هِشَام، وَابْنِ عَقِيلٍ، مِمَّا كَانَ لَهُ أَبْلَغُ الأَثَرِ فِي إِيْجَادِ مُجْتَمَعٍ عِلْمِيّ مُتَمَيِّزٍ ظَهَرَتْ آثَارُهُ فِي تِلْكِ الدِّرَاسَاتِ.
٤-الْكَشْفُ عَنْ مَعَالِمِ شَخْصِيَّةِ الصَّائِغِ؛ لأنّه لَمْ يُحَقَّقْ لَهُ
1 / 11
أَيُّ كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا - على حدِّ عِلْمِي، وَلَمْ تُدْرَسْ شَخْصِيَّتُهُ.
٥- أَنَّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتَاب مُشَارَكَةً فِي إِحْيَاءِ كُتُبِ التُّرَاثِ الَّتِي ظَلَّتْ قَابِعَةً فِي رُفُوفِ الْمَكْتَبَاتِ زَمَنًا طَوِيلًا. فَكَانَتْ هَذِهِ الأَسْبَابُ مُجْتَمِعَةً مِنْ أَهَمَّ مَا دَفَعَنِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتَابِ.
هَذَا، وَقَدْ اقْتَضَت طَبِيعَةُ الْبَحْث أَنْ أُقَسِّمَهُ قِسْمَيْنِ رَئِيسَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الدِّرَاسَةُ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى تَمْهِيد، وَفَصْلَيْن:
التَّمْهِيدُ: وَفِيهِ تَعْرِيفٌ مُوجَزٌ بِالْحَرِيرِيّ صَاحَبِ الْمَنْظُومَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَحْقِيْقِ شَرْحِهَا.
الفَصْلُ الأَوَّلُ: الصَّايِغ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِث:
المَبحَثُ الأَوَّلُ: اسْمُهُ، وَنَسَبُهُ، وَكُنْيَتُه، وَلَقَبُهُ.
المبَحَثُ الثَّانِي: مَوْلِدُهُ، وَنَشْأَتُهُ، وَوَفَاتُهُ.
المَبحَثُ الثَّالِث: شُيُوخُهُ، وَتَلاَمِيذُهُ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: مُصَنَّفَاتُهُ.
الفَصْلُ الثَّانِي: (اللَّمْحَةُ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ)، وَفِيه سِتَّةُ مَبَاحِث:
المَبحَثُ الأَوَّلُ: تَوْثِيقُ اسْمِ الْكِتَابِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى مُؤَلِّفِهِ.
المَبحَثُ الثَّانِي: مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْكِتَابِ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: مَصَادِرُهُ.
1 / 12
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: شَوَاهِدُهُ.
المَبْحَثُ الخَامِسُ: مُوَازَنَةٌ بَيْنَ (اللَّمْحَةِ) وَ(شَرْحِ الْحَرِيرِيِّ عَلَى المُلْحَة) .
المَبْحَثُ السَّادِسُ: تَقْوِيمُ الْكِتَاب.
الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّحْقِيقُ، وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَلِي:
١- وَصْفُ النُّسَخِ الْخَطِّيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيق.
٢- مَنْهَجِي فِي التَّحْقِيقِ.
٣- النَّصُّ الْمُحَقَّق.
ثُمَّ ذَيَّلْتُ الكِتَابَ بِالْفَهَارِسِ الْفَنِّيَّةِ اللاَّزِمَة.
1 / 13
كَمَا أَشْكُرُ جَمِيعَ أَسَاتِذَتِي الَّذِينَ سَاعَدُونِي فِي إِنْجَازِ هَذَا الْكِتَاب؛ وَعَلَى رَأسِهم فَضِيلَة الأُستاذ الدّكتور/ عليّ بن سُلْطَان الحكميّ؛ رئيس قسم اللّغويات بالكلّية.
كَمَا أَشْكُرُ زَوْجَتِي المُخْلِصَة؛ لِمَا بَذَلَتْه مِنْ صَبْرٍ ومُسَاعَدةٍ، كَانَ لَهُمَا الأَثَرُ الكَبِيرُ فِي مُوَاصَلةِ الدِّرَاسَةِ وَالتَّحْصِيلِ. كَمَا أَشْكُرُ إخوَاني الأوفِيَاء؛ وأَخُصُّ منْهُم بالذّكر أَخي الشّيخ عبد الله الّذي قَدَّم لِي يدَ العَوْنِ والمُسَاعَدةِ في سَبِيلِ إِنْجَازِ هذا العَمَل.
وَبَعْدُ؛ فَلَقَدْ بَذَلْتُ فِي هَذَا الْكتاب كُلَّ مَا فِي وُسْعِي، وَلَكِنَّنِي - مَعَ ذَلِكَ - لاَ أَدَّعِي فِيهِ الْوُصُولَ إَلَى الْكَمَال؛ فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ صَوَابٍ فَهُوَ مِنَ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَرَمِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأ أَوْ زَلَلٍ أَوْ تَقْصِير فَهُوَ مِنِّي، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَحَسْبِي أَنِّي تَحَرَّيْتُ الصَّوَابَ جُهْدِي، وَبَحَثْتُ عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُ.
وَخِتَامًا أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيم، وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وكتب إبراهيم بن سالم الصّاعديّ ٢٧/٤/١٤١٩هـ.
1 / 14
القسم الأول: قسم الدراسة
التمهيد
...
التمهيد
تعريف موجز بالحريريّ:
الحريريّ١ هو: أبو محمّد القاسم بن عليّ بن محمّد بن عثمان الحريريّ٢ الحراميّ٣ البصريّ؛ وينتهي نسبُه إلى رَبِيعةَ الفَرَس٤.
ولد الحريريّ في قرية (المَشَانّ) ٥ من أعمال البصرة، سنة
_________
١ تُنظر ترجمته في: نزهة الألبّاء ٢٧٨، وخريدة القَصْر - قسم العراق - ٤/٥٩٩، والمنتظم ٩/٢٤١، والكامل في التّأريخ ٨/٣٠٥، ومعجم الأدباء ١٦/٢٦١، وإنباه الرّواة ٣/٢٣، ووفيات الأعيان ٤/٦٣، وإشارة التّعيين ٢٦٣، وسير أعلام النّبلاء ١٩/٤٦٠، وطبقات الشّافعيّة للسّبكيّ ٧/٢٦٦، والبداية والنّهاية ١٢/٢٠٥، والبُلغة ١٧٣، والنّجوم الزّاهرة ٥/٢٣٥، وبُغية الوُعاة ٢/٢٥٧، وشذرات الذّهب ٤/٥٠، والأعلام ٥/١٧٧، ومعجم المؤلِّفين ٨/١٠٨.
٢ الحريريّ: نسبة إلى الحرير وعمله، أو بيعه.
يُنظر: وفيات الأعيان ٤/٦٧.
٣ الحراميّ: نسبة إلى خُطَّةٍ كبيرة بالبصرة، سكنها بنو حرام - قبيلةٌ من العرب -، فنُسبت إليهم.
يُنظر: معجم البُلدان ٢/٢٣٥، ووفيات الأعيان ٤/٦٧.
٤ بنو ربيعة الفَرَس: حيٌّ من مُضَر من العدنانيّة؛ وهم بنو ربيعة بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان؛ وسُمِّي ربيعةُ بن نِزار بربيعة الفرَس؛ لأنّ أباه حينما حضرته الوفاة أوصى له بالخيْل الدُّهْم وما أشبهها.
يُنظر: نهاية الأرَب ٢٤٢، ٣٨٢.
٥ المَشَانّ: بُلَيْدَةٌ قريبةٌ من البصْرة؛ كثيرة التّمر والفواكه.
يُنظر: معجم البُلدان ٥/١٣١، ومعجم الأدباء ١٦/٢٦١، ووفيات الأعيان ٤/٦٧.
1 / 19
ستّ وأربعين وأربعمائة من الهجرة؛ وفيها قضى طُفولته وبعض صباه، ثمّ انتقل إلى البصرة، وفيها تلقّى أنواع العلوم على كبار الشّيوخ في ذلك العَصْر.
فقد قرأ النّحو على أبي القاسم الفضْل بن محمّد القَصَبَانيّ١، ثم دخل بغداد فقرأ النّحو والأدب على عليّ بن فَضّال المجاشعيّ٢، وتفقّه على ابن الصّبّاغ٣، وأبي إسحاق الشّيرازيّ٤، وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم الخَبْرِيّ٥.
وكان الحريريّ من ذَوِي الجاه واليَسَار؛ له مُلْكٌ حَسَنٌ بالمَشَانّ؛ يقال: إنّه كان له ثماني عشرة ألف نخْلة٦.
وكان من ذوي الوجاهة لدى السّلطان؛ فقد كان صاحب الخبَر٧ بالبصرة؛ وهو منصبٌ ظلّ به إلى أنْ مات؛ فتوارثه أولادُه من بعده٨.
_________
١ تُنظر ترجمته في: نزهة الألبّاء ٢٥٧، وإشارة التّعيين ٢٥٧، وبُغية الوُعاة ٢/٢٤٦.
٢ تُنظر ترجمته في: إنباه الرّواة ٢/٢٩٩، والبُلغة ١٥٥، وبُغية الوُعاة ٢/١٨٣.
٣ تُنظر ترجمته في: وفيات الأعيان ٣/٢١٧، وطبقات الشّافعيّة للسّبكيّ ٥/١٢٢.
٤ تُنظر ترجمته في: وفيات الأعيان ١/٢٩، وطبقات الشّافعيّة للسّبكيّ ٤/٢١٥.
٥ تُنظر ترجمته في: إنباه الرّواة ٢/٩٨، وبُغية الوُعاة ٢/٢٩.
٦ يُنظر: إنباه الرّواة ٣/٢٥، وسير أعلام النّبلاء ١٩/٤٦٥.
٧ صاحبُ الخبر هو: الّذي يحمل إلى الخليفة أخبار النّاس، والجيش، والإدارة؛ وهي وظيفة شبيهة بالاستخبارات في هذه الأيّام.
يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لعمر فرّوخ ٣/٢٣٨، ٢٣٩.
٨ يُنظر: معجم الأدباء ١٦/٢٦٢.
1 / 20
وكان ﵀ أديبًا، لغويًّا، نحويًّا، ناظمًا، ناثرًا١؛ وكان غايةً في الذّكاء، والفِطْنة، والفصاحة، والبلاغة٢.
توفّي ﵀ في البصرة، في محلّة بني حرام؛ سنة ستّ عشرة وخمسمائة من الهجرة، وعمرُه سبعون سنة٣.
وقد ترك من المصنّفات ما يلي:
١- دُرَّةُ الغَوَّاصّ في أوهام الخَوَاص٤.
وهو كتابٌ بَيَّن فيه أغلاط الكُتّاب فيما يستعملونه من الألفاظ في غير معناه، أو في غير موضعه.
٢- المقامات٥.
_________
١ يُنظر: معجم المؤلِّفين ٨/١٠٨.
٢ يُنظر: معجم الأدباء ١٦، ٢٦٢، وبُغية الوُعاة ٢/٢٥٧.
٣ يُنظر: إنباه الرّواة ٣/٢٧، ووفيات الأعيان ٤/٦٧، وسير أعلام النّبلاء ١٩/٤٦٥.
٤ طُبِعَ هذا الكتاب في ليبزج سنة ١٨٧١م، وبمصر سنة ١٢٧٣هـ، وغيرها.
ثم حقّقه أخيرًا الأستاذ محمّد أبو الفضْل إبراهيم، وطبعه في مصر سنة ١٩٧٥م.
وشرحه شهاب الدّين أحمد بن محمّد الخفاجيّ؛ وطُبع هذا الشّرح في إستانبول سنة ١٢٩٩؟.
يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٥١، ومعجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة ١/٧٤٨، وتأريخ آداب اللّغة العربيّة ٢/٤٠.
٥ طُبعت مرارًا في أوربّا، والهند، والشّام، ومصر.
يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٤٥، ومعجم المطبوعات العربيّة والمعربّة ١/٧٤٩، ٧٥٠، وتأريخ آداب اللّغة العربيّة ٢/٣٩.
1 / 21
وهي أشهرُ كتبه على الإطلاق؛ قال ياقوت الحمويّ١: "وله صانيف تشهد بفضلِهِ، وتُقِرُّ بِنُبْلِهِ؛ وكفاه شاهدًا كتاب "المقامات" الّتي أَبَرَّ بها على الأوائل وأعجز الأواخر".
وقد بدأ تأليفَها سنة ٤٩٥هـ٢؛ ودام تأليفها بضع سنوات، وجعلها خمسين مقامة.
وقد اعتنى بشرحها عددٌ كبيرٌ من العلماء؛ فمنهم مَن طَوَّل، ومنهم من اختصر٣.
٣- ملحة الإعراب٤.
وهي أُرجوزة في النّحو، تقع في ٣٧٧ بيتًا؛ ومطلُعها:
أَقُولُ مِنْ بَعْدِ افْتِتَاحِ القَول ... بحمد ذي الطول شديد الحول
٤- شرح ملحة الإعراب٥.
_________
١ معجم الأدباء ١٦/٢٦٢.
٢ يُنظر: معجم الأدباء ١٦/٢٨٣، وتأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٤٥.
٣ يُنظر: وفيات الأعيان ٤/٦٥، وتأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٤٧.
٤ طُبعت مرارًا في باريس، وبيروت، ومصر؛ وطُبعت أخيرًا في المملكة العربيّةالسّعوديّة، في دار العليّان للنّشر والتّوزيع - بريدة - سنة ١٤٠٧هـ.
يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٥٢، ومعجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة ١/٧٥٠، وتأريخ آداب اللّغة العربيّة ٢/٤٠.
٥ ملحة الإعراب ٥.
٦طُبع في بولاق سنة ١٢٩٢هـ، ومطبعة شرف بمصر سنة ١٣٠٢هـ، والمطبعة الميمنيّة ١٣٠٦هـ؛ ثم طُبع أخيرًا في المملكة العربيّة السّعوديّة سنة ١٤١٢هـ بتحقيق الدّكتور: أحمد محمّد قاسم ﵀، ونشرته دار التّراث بالمدينة النّبويّة.
يُنظر: معجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة ١/٧٥٠.
1 / 22
٥- كتاب رسائل الحريري١.
ومن هذه الرّسائل: الرّسالة السّينيّة، والرّسالة الشّينيّة٢؛ كلّ كلمة في الأولى تحوي سينًا، وكلّ كلمة في الثّانية تحوي شينًا.
٦- كتاب شعر الحريري٣.
٧- الفرْق بين الضّاد والظّاء٤.
٨- توشيح البيان٥.
_________
١ يُنظر: معجم الأدباء ١٦/٢٧١.
٢ طُبعتا بآخر كتاب (المقامات) بالمطبعة الحسينيّة سنة ١٣٢٦هـ، ثم أُعيد طبعها بآخر كتاب (المقامات) أيضًا في مطبعة الحلبيّ.
يُنظر: معجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة ١/٧٥٠.
٣ يُنظر: معجم الأدباء ١٦/٢٧١.
ومنه نُسخة خطّيّة في مكتبة برلين تحت رقم ٧٠٢٢.
يُنظر: تأريخ الأدب العربيّ لبروكلمان ٥/١٥١.
٤ يُنظر: معجم الأدباء ١٦/٢٧١، وإنباه الرّواة ٣/٢٥، وبُغية الوُعاة ٢/٢٥٩، ومعجم المؤلِّفين ٨/١٠٨.
٥ نسبه إليه ابن حجّة الحمويّ في كتابه ثمرات الأوراق ٤٠.
1 / 23
الفصل الأول: الصايغ
المبحث الأول: اسمه، ونسبُه، وكنيته، ولقبه
...
المبحث الأوّل: اسمه، ونسبُه، وكنيته، ولقبه
هو الإمام، العلاّمة، النّحويّ، اللّغويّ؛ شمس الدّين١ أبو عبد الله محمّد ابن الحسن٢ بن سِبَاع بن أبي بكر المصريّ الأصل، الدّمشقيّ المولد والوفاة؛ المعروف بـ (الصّايغ) ٣؛ - بالياء - وهو غير ابن الصائغ المشهور -
_________
١ تُنظر ترجمته في: ذُيول العِبَر٤/٥٨، وتأريخ ابن الورْديّ ٢/٣٨٦، والوافي بالوفيات ٢/٣٦١ - ٣٦٣، وفوات الوفيات ٣/٣٢٦ - ٣٣٠، والبداية والنّهاية ١٤/١٠١، وعقود الجمان ٢٣٢، ٢٣٣، والسّلوك لمعرفة الملوك ٢/٢٣٩، وطبقات ابن قاضي شُهْبَة ٧٨، والدُّرر الكامنة ٤/٤٠، والمنهل الصّافي ٦/٩٦، والدّليل الشّافي ٢/٦١٤، والنّجوم الزّاهرة ٩/٢٤٨، ٢٤٩، وتاج التّراجم ٢٥٨، وبُغية الوُعاة ١/٨٤، ودرّة الحجال ٢/٣٠٣، ٣٠٥، وكشف الظّنون ٢/١٠٧٢، ١٤٣٨، ١٨٠٨، وشذرات الذّهب ٦/٥٣، وإيضاح المكنون ٢/٥٥٢، ٣/٥١٣، وهديّة العارفين ٢/١٤٥، والأعلام ٦/٨٧، ومعجم المؤلّفين ٩/١٩٢.
٢ وفي بعض المصادر (حسن) بدون (أل) .
يُنظر: ذيول العِبَر ٤/٥٨، والنّجوم الزّاهرة ٩/٢٤٨، والدّليل الشّافي ٢/٦١٤، ودرّة الحجال ٢/٣٠٣، وإيضاح المكنون ٢/٥٥٢، والأعلام ٦/٨٧.
وفي البداية والنّهاية ١٤/١٠١: (محمّد بن حسين)، وهو تصحيف.
٣ ينظر: الوافي بالوفيات ٢/٣٦١، وفوات الوفيات ٣/٣٢٦، وشذرات الذهب ٦/٥٣.
وفي بعض المصادر: (الصائغ) بالهمزة؛ ينظر: الدليل الشافي ٢/٦١٤.
وفي بعض المصادر: (ابن الصّائغ) وهو المثبت على غلاف النسخة: (أ) وإن كان فيه طمس.
ويُنظر: الدرر الكامنة ٤/٤٠، وتاج التراجم ٢٥٨، ودرة الحجال ٢/٣٠٣.
والصحيح هو الأول – الصّايغ – لثلاثة أدلة:
١- أنّ هذا هو المثبت في مقدمة النسخة: (أ)، وعلى غلاف النسخة (ب) وفي خاتمتها.
٢- ما ذكره المترجمون من أنّ له حانوتًا بالصّاغة، فهذا يدل على أنه هو الصّايغ وليس والده.
٣- أن هذا هو المثبت في كثير من المصادر التي ترجمت للمؤلف، وقد سبق ذكرها.
1 / 27
كما نصّ على ذلك السّيوطيّ في البُغية -١.
وينتهي نَسَبُهُ إلى بني جُذام عمرو بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أُدَد ابن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كهْلان بن سَبَأ، وهو عامر بن يَشْجُب بن يَعْرب بن قحْطان٢.
وقد كُتب على صفحة العنوان من النّسخة (ب): "شمس الدّين محمّد
_________
١ بُغية الوُعاة ١/٨٤.
وابن الصّائغ المشهور هو: محمّد بن عبد الرّحمن بن عليّ بن أبي الحسن الزّمرّديّ؛ شمس الدّين أبو عبد الله، المعروف بابن الصّائع.
وُلد سنة ٧١٦؟، واشتغل بالعلم، وبرع في اللّغة، والنّحو، والفقه؛ وأخذ عن الشّهاب بن المرحّل، وأبي حيّان.
وكان ملازمًا للاشتغال، كثير المعاشرة للرّؤساء، كثير الاستحضار؛ فاضلًا، بارعًا، حسن النّظم والنّثر، قويّ البادرة، دَمِثَ الأخلاق؛ ولي قضاء العسْكر، وإفتاء دار العدْل، ودرّس بالجامع الطّولونيّ وغيره.
ومن مصنّفاته: شرح المشارق في الحديث، وشرح الألفيّة لابن مالك، والتّذكرة في النّحو - في عدّة مجلّدات -، وغيرها.
توفّي سنة ٧٧٦؟.
يُنظر: الوافي بالوفيات ٣/٢٤٤، والدّرر الكامنة ٤/١١٩، ١٢٠، والدّليل الشّافي ٢/٦٣٥، وبُغية الوُعاة ١/١٥٥.
٢ يُنظر: جمهرة أنساب العرب ٣٢٩، ٤٢٠، ٤٢١، ونهاية الأرب ١٩١، ٣٦٦.
1 / 28
ابن بدر الدّين حسن ... " ولم تذكر جميع المصادر (بدر الدّين) هذا؛ وكأنّ إيرادَه تصرُّفٌ من النّاسخ؛ لأنّه كتب في آخر النّسخة: "نجز ما ألّفه الشّيخ، الإمام، شمس الدّين محمّد بن حسن ... "؛ ولم يذكر (بدر الدّين) .
1 / 29
المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته
أوّلًا - مولده، ونشأته:
وُلد الصّايغ في دمشق في شهر صفر، سنة خمس وأربعين وستمائة١.
وبالرّجوع إلى المصادر الّتي تناولت حياة الصّايغ لم أجد أحدًا ذكر شيئًا عن نشأته في طفولته، وشبابه وحياته العلميّة، إلاّ ما ذُكِرَ من أنّه كان له حانوت بالصّاغة يقرئ الطّلبة فيه العربيّة والعروض والأدب؛ وقد أقرأ (ديوان المتنبّي) و(الحماسة)، وغير ذلك٢.
وكان يسكن بين دَرْب الحبّالين والفراش عند بُستان القطّ٣.
وكان حسن الأخلاق، متواضعًا، ذا فضائل٤.
وكان فيه وُدّ، لطيف المحاورة والمحاضرة٥.
وكانت حياتُه حافلة بالتّنقّل؛ فقد نشأ في دمشق، ثم انتقل إلى مصر، ثم عاد مرّة أخرى إلى دمشق ٦.
_________
١ يُنظر: الدّرر الكامنة ٤/٤٠، والنّجوم الزّاهرة ٩/٢٤٨، وبُغية الوُعاة ١/٨٤. وفي البداية والنهاية ١٤/١٠١ وُلد بمصر.
٢ يُنظر: الدرر الكامنة ٤/٤٠، وبُغية الوُعاة ١/٨٤.
٣ البداية والنهاية ١٤/١٠١.
٤ يُنظر: الدرر الكامنة ٤/٤٠، وبُغية الوُعاة ١/٨٤.
٥ البداية والنّهاية ١٤/١٠١.
٦ يُنظر: السّلوك جـ ٢، قسم ١/٢٣٩.
1 / 31
ثانيًا - وفاتُه:
توفّي الصّايغ في داره بدمشق، يوم الاثنين١ ثالث شعبان٢، سنة ٧٢٠هـ، ودفن بباب الصّغير٣، عن خمس وسبعين٤ سنة ﵀. وقيل: إنّه توفّي سنة ٧٢٢هـ٥.
وذكر ابن القاضي٦ أنّه توفّي سنة ٧٢١؟؛ ولم أجد مَن تابعه على ذلك.
وذكر السيوطيّ٧ أنّه توفّي سنة ٧٢٥، ووافقه صاحب (كشف الظنون) ٨؛ لكنّه ذكر في مواضع أخرى التأريخين الأولين٩.
_________
١ نصّ على ذلك ابن كثير في البداية والنّهاية ١٤/١٠١.
٢ وفي الدرر الكامنة ٤/٤٠: (أو رمضان) .
٣ نصّ على ذلك ابن كثير في البداية والنّهاية ١٤/١٠١.
٤ يُنظر: ذيول العبر ٤/٥٨، والبداية والنّهاية ١٤/١٠١، وطبقات ابن قاضي شُهْبة ٨٧، والدرر الكامنة ٤/٤٠، والنّجوم الزّاهرة ٩/٢٤٨، وشذرات الذّهب ٦/٥٣، والأعلام ٦/٨٧.
٥ يُنظر: الوافي بالوفيات ٢/٣٦٢، وفوات الوفيات ٣/٣٢٦، وعقود الجمان ٢٣٢، والسّلوك جـ ٢، قسم ١/٢٣٩، والمنهل الصافي ٦/٩٦، والدّليل الشّافي ٢/٦١٤، وهديّة العارفين ٢/١٤٥.
٦ درّة الحجال ٢/٣٠٤.
٧ بُغية الوُعاة ١/٨٤.
٨ يُنظر: ٢/١٨٠٨.
٩ يُنظر: كشف الظّنون ٢/١٠٧٢، ١٧٨٠.
1 / 32
المبحث الثالث: شيوخه، وتلاميذه
أوّلًا- شيوخه:
لم تذكر لنا المصادر من شيوخه إلاّ ابن أبي اليسر١؛ وهو: أبو محمّد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن أبي المجد، مسند الشّام، تقيّ الدّين، شرف الفضلاء، التّنوخيّ، المعريّ الأصل، الدّمشقيّ. وُلد سنة ٥٨٩هـ، وتوفّي سنة ٦٧٢هـ.
ومن شيوخ ابن أبي اليسر: الخشوعيّ، وعبد اللّطيف بن شيخ الشّيوخ، والقاسم بن عساكر؛ وأجاز له جماعة، وروى الكثير، واشتهر ذكره.
تفرّد بأشياء كثيرة، وكان متميّزًا في كتابة الإنشاء، جيّد النّظم، حسن القول، ديِّنًا متصوّنًا، صحيح السّماع؛ من بيت كتابة وجلالة؛ وله شعرٌ جيِّد وبلاغة؛ وفيه خير وعدالة٢.
وهناك شيخٌ آخر للصّايغ أشار إليه في هذا الشّرح؛ لكنّه لم يصرّح باسمه، وإنّما اكتفى بقوله: "قال شيخُنا ﵀"، أو"كقول شيخنا - رحمه الله تعالى -"٣، ثم أورد نصّين نقلهما عن هذا الشّيخ؛ وقد تبيّن لي
_________
١ يُنظر: طبقات ابن قاضي شُهبة ٨٧، وتاج التّراجم ٢٥٨، وبُغية الوُعاة ١/٨٤.
٢ تُنظر ترجمته في: العِبَر في خبر مَن غَبر ٣/٣٢٥، والوافي ٩/٧١، وفوات الوفيات ١/١٧٠، والبداية والنّهاية ١٣/٢٨٢، والدّليل الشّافي ١/١٢٢، وشذرات الذّهب ٥/٣٣٨.
٣ يُنظر: ص ٥٤٨، ٥٧١ من النّصّ المحقّق.
1 / 33
من خلال مراجعة هذين النّصّين أنّ المقصود بهذا الشّيخ ابن النّاظم؛ والنّصّان موجودان في شرحه على الألفيّة١.
وقد راجعتُ ترجمة ابن النّاظم بُغية أن أجد من ينصّ على أنّ من تلاميذه الصّايغ؛ لكنّني لم أظفر بشيءٍ من ذلك؛ ولا غرابة في ذلك إذْ إنّ كلّ شيخ له تلاميذ كُثُر، وأصحاب التّراجم لا ينصّون إلاّ على بعض التّلاميذ.
وممّا يؤيد ذلك كثرة نقوله عنه - في شرحه على الألفيّة - دون أن يصرّح بالنّقل عنه٢؛ ففي هذا دلالة على أنّه من شيوخه.
وابن النّاظم هو: أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك بدر الدّين الشّافعيّ الطّائيّ الجيّانيّ الدّمشقيّ النّحويّ.
شيخ العربيّة، وقدوة أرباب المعاني والبيان، وأحدُ العلماء الفضلاء؛ قرأ على أبيه، وأخذ عنه النّحو واللّغة؛ وكان ذكيًّا فهمًا، عارفًا بالمنطق، والأصول، والنّظر؛ أخذ عنه جماعة منهم: كمال الدّين ابن الزّملكانيّ، وبدر الدّين ابن جماعة، وغيرهما.
ومن مصنّفاته: شرح ألفيّة والده، والمصباح في المعاني والبيان، ومقدّمة في المنطق، ومقدّمة في العروض؛ وشرح ملحة الإعراب وغير ذلك.
توفّي بدمشق يوم الأحد ثامن المحرّم سنة ٦٨٦هـ، ودُفن بمقبرة باب الصّغير، وتأسّف النّاس عليه٣.
_________
١ يُنظر: شرح الألفيّة لابن النّاظم ١٣١، ١٦٣.
٢ يُنظر - على سبيل المثال - ص: ٤٣٠، ٤٤٩، ٦٧٢، ٧١٠، ٧٧١ من النّصّ المحقّق.
٣ تُنظر ترجمته في: العبر ٣/٣٦٣، والوافي ١/٢٠٤، والبداية والنّهاية ١٣/٣٣١، وطبقات ابن قاضي شهبة ٢٤٧، وبُغية الوُعاة ١/٢٢٥، وشذرات الذّهب ٥/٣٩٨.
1 / 34
ثانيًا- تلاميذه:
إنّ كتب التّراجم الّتي تترجم للعلماء ربّما تكون مختصرة لا تستوعب أكبر قدر ممكن من ذكر العلماء وأخبارهم؛ ولم نجد من يذكر تلاميذ الصّايغ بأسمائهم، مع شهرته ومكانته، حيث لم تزد المصادر الّتي بين أيدينا على قولها: "تخرّج به فضلاء" ١.
ولكن من خلال مطالعاتي في تراجم رجال القَرْن الثّامن وقفت على ترجمة ابن فضل الله العمريّ، ووجدتّ المترجمين ينصّون على أنّ من شيوخه الّذين تلقّى عنهم الأدب والعروض شمس الدّين ابن الصّائغ؛ وقد تبيّن لي - من خلال المراجَعة والتّدقيق - أنّ شمس الدّين بن الصّائغ هو: محمّد بن الحسن بن سباع شارح "الملحة" لا محمّد بن عبد الرّحمن بن عليّ المشهور بابن الصّائغ؛ لأسباب عدّة:
أوّلًا - أنّ محمّد بن الحسن اشتهر بفنّ الأدب والعروض؛ وقد وجدنا المترجِمين يلقّبونه بـ (الأديب العروضيّ) ٢.
ثانيًا- أنّه من أهل دمشق، وابن الصّائغ المشهور من أهل مصر - وإنْ كانت له رحلات إلى دمشق، لكنّ معظم حياته قضاها في مصر- وابن فضل الله العمريّ تلقّى معظم علومه في دمشق.
ثالثًا- أنّ مُدَّة التّحصيل والطّلب هي الفترة الّتي عاشها
_________
١ يُنظر: ذُيول العِبر ٤/٥٨، وشذرات الذّهب ٦/٥٣.
٢ يُنظر: الوافي بالوفيات ٢/٣٦١، وفوات الوفيات ٣/٣٢٦، والدّرر الكامنة ٤/٤٠، والدّليل الشّافي ٢/٦١٤.
1 / 35
ابن فضل الله العمريّ في دمشق - وكان محمّد بن الحسن من أبرز علماء دمشق في هذه الفترة - لأنّه وُلد سنة ٦٩٧هـ أو ٧٠٠هـ، ومحمّد بن الحسن توفّي سنة ٧٢٠هـ أو ٧٢٢هـ؛ وهذه المدّة تتسع لتلقيه العلم من الصّايغ صاحبنا.
وابن فضل الله العمريّ هو١: شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن فضل الله ابن يحيى القرشيّ العدويّ العمريّ الدّمشقيّ.
وُلد في دمشق في ثالث شوّال سنة ٦٩٧هـ، وقيل ٧٠٠هـ؛ وكان إمامًا بارعًا، وكاتبًا فقيهًا، نظم كثيرًا من القصائد، والأراجيز، والمقطّعات، والدّوبيت؛ وأنشأ كثيرًا من التّقاليد والمناشير والتّواقيع.
قرأ العربيّة على كمال الدّين بن قاضي شُهْبة، والفقه على ابن الفركاح، وشهاب الدّين ابن المجد، وقرأ العروض والأدب على الشّيخ شمس الدّين ابن الصّائغ، وعلاء الدّين الوداعيّ، وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلاّمة شهاب الدّين محمود، وقرأ عليه جملة من الدّواوين، وكتب الأدب.
ومن مصنّفاته: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، وفواصل السّمر في فضائل آل عمر، وصبابة المشتاق، ودمعة الباكي، وغيرها. توفّي في دمشق يوم السّبت تاسع ذي الحجّة سنة ٧٤٩هـ.
_________
١ تُنظر ترجمته في: الوافي بالوفيات ٨/٢٥٢ - ٢٧٠، والدّرر الكامنة ١/٣٥٢ - ٣٥٤، والنّجوم الزّاهرة ١٠/٣٣٤ - ٣٣٥، والدّليل الشّافي ١/٩٦.
1 / 36