وأول ما خرج هؤلاء، زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. وكان لهم من الصلاة، والصيام، والقراءة، والعبادة، والزهادة ما لم يكن لعموم الصحابة. لكن كانوا خارجين عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة المسلمين. وقتلوا من المسلمين رجلا اسمه عبدالله بن خباب (هو عبدالله بن خباب بن الأرت -بفتح الخاء وتشديد الباء وفتح الهمز والراء المهملة وتشديد التاء-. له رؤية ولأبيه صحبة. قال في أسد الغابة: كان طائفة من الخوارج أقبلوا من البصرة إلى إخوانهم من أهل الكوفة، فلقوا عبدالله بن خباب ومعه امرأته. فقالوا له: من أنت؟ قال أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فأثنى خيرا عليهم، فذبحوه، فسال دمه في الماء، وقتلوا المرأة وهي حامل ملم منه، فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون الله؟ فبقروا بطنها، وذلك سنة سبع وثلاثين، وكان من سادات المسلمين) وأغاروا على دواب للمسلمين.
وهؤلاء القوم كانوا أقل صلاة وصياما. ولم نجد في جبلهم مصحفا ولا فيهم قارئا للقرآن. وانما عندهم عقائدهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة. وأباحوا بها دماء المسلمين. وهم مع هذا فقد سفكوا من الدماء وأخذوا من الأموال مالا يحصى عدده إلا الله تعالى.
فإذا كان علي بن أبي طالب قد أباح لعسكره أن ينهبوا ما في عسكر الخوارج، مع أنه قتلهم جميعهم، وأن هؤلاء أحق بأخذ أموالهم. وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل: "أنه لا يقتل مدبرهم ولا يجهز على جريحهم، ولا يغم لهم مالا ولا يسبى لهم ذرية" لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ. وهؤلاء ليس لهم تأويل سائغ. ومثل أولئك إنما يكونون خارجين عن طاعة الإمام. وهؤلاء خرجوا عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته. وهم شر من التتار من وجوه متعددة. لكن التتر أكثر وأقوى. فلذلك يظهر كثرة شرهم.
Sayfa 56