أدركت أنه يجذبني من قدمي، لكني لم أملك نفسي من الانفعال، فلوحت بالسكين في اتجاه الصنبور وأنا أقول: «أنت تسخر مني، لكن ما قولك في المياه السوداء التي تخرج من هذا الصنبور؟ أليست لغزا حقيقيا؟!»
قال بهدوء: «وماذا أيضا؟»
اندفعت في تهور: «الألغاز كثيرة إن شئت. خذ مثلا موقف «الدكتور» من مشكلة الحرب والسلم؛ ففي بعض الأحاديث الصحفية القليلة التي أجريت معه وصف الحرب بأنها السبيل الوحيدة لاستعادة الحقوق المغتصبة، بينما أكد في أحاديث أخرى أن السلام هو السبيل الوحيدة لذلك.»
قاطعني متسائلا: «وما التناقض بين الأمرين؟»
قلت: «التناقض هو أنه في الحالة الأولى - عندما يتحدث عن الحرب - تجده يعمل بنشاط في مشروعات تحتاج، أول ما تحتاج، إلى السلام. وفي الحالة الثانية - عندما يتحدث عن السلام - تجده منهمكا في تأليف جيش من المرتزقة يقدمه لمن يدفع الثمن.»
توقفت لأطمئن على الأرز، وأخفض النار من تحته، ثم غسلت نصف الدجاجة وأعددت المقلاة لها.
استطردت: «إليك لغزا ثالثا إذا لم يكفك ما ذكرت؛ إن التعليمات المرفقة بالأدوية الأجنبية المباعة في بلادنا توصي باستخدام جرعات أكبر من تلك التي توصي بها المرضى في بلادها الأصلية. فلماذا؟»
وضعت ملعقتين من السمن في المقلاة، وألقيت بنصف الدجاجة فيها بعد أن ابتعدت قليلا إلى الوراء كي لا يصيبني الطشاش الساخن.
قلت وما زلت في أوج حماسي: «بماذا تفسر أن الخريطة المعلقة في الكنيست الإسرائيلي تقف بحدود إسرائيل المقترحة عند شاطئ النيل الشرقي، بينما يعلم الإسرائيليون أن أجدادهم هم الذين بنوا الأهرامات، الواقعة على الشاطئ الغربي للنيل؟»
لم يعبأ بمجادلتي، وكان مهتما أكثر بأن يستمع إلي، كأنما يتركني أمد الحبل الذي سأشنق به نفسي. وقد تنبهت فجأة إلى ذلك عندما تراءى شيء من الاستمتاع في إحدى عينيه، فلجأت إلى تغيير موضوع الحديث، منتهزا فرصة وضع الطعام على المائدة.
Bilinmeyen sayfa