لم يفه بشيء، وإنما وضع اللوحة على جانب كأنما يريد العودة إليها فيما بعد، واستأنف البحث بين أوراقي.
أما القصير فخاطبني دون أن يرفع بصره لحظة عن البطاقات التي كان يفرزها في عناية: «لم نكن نتصور أنك جمعت هذا القدر من المعلومات. إنه أمر يثير الإعجاب حقا، بقدر ما يدعو للأسف.»
لم يدهشني معرفة اللجنة بما أفعل، ولا استخدام القصير للغة العربية في حديثه؛ لأني كنت متأكدا من إجادة أعضاء اللجنة لها. لكني انزعجت لكلمته كثيرا، وانتظرت في قلق أن يوضح ما يعنيه.
رفع إلي عينيه فاكتشفت لأول مرة أن بهما حولا منفرا زاد خلقته قبحا على قبح، ومضى يقول: «كنا نظن أن العقبات التي صادفتك ستصرفك إلى موضوع آخر. والواقع أننا كنا نتمنى ذلك لأننا ... لأن هناك بين الأعضاء الموقرين من يعلق آمالا كبيرة عليك.»
غاض الدم من وجهي، وتعلقت عيناي بعينيه القبيحتين، بينما استطرد وهو يتخلى عن البطاقات، ويتراجع بكرسيه إلى الوراء: «يمكنك أن تقرر لنفسك الآن ما إذا كنت ستستمر في هذا الموضوع أو تنتقل إلى غيره ؛ فنحن لا نقسر أحدا على شيء.»
قلت بانفعال: «بعد كل هذا الوقت؟! لقد أوشك العام على الانصرام!»
قال بحزم: «هذه نقطة غير مهمة؛ فبوسع اللجنة أن تعطيك من الوقت ما تحتاج إليه.»
ضممت يدي وضغطتهما في عنف وأنا أقول في صوت متوسل، متغلبا على كراهيتي له التي كان هو مبعثها: «لكني قطعت شوطا طويلا وقاربت على الانتهاء.»
قال أحد العسكريين الذي دخل الحجرة أثناء الحوار واستمع إلى شطر منه: «ولم تفكر في مغزى ما تقوم به ونتائجه؟»
قلت مدافعا عن نفسي: «لقد قمت ببحث رائده الموضوعية الشديدة. ولم أعن بغير الحقائق المؤكدة والتعليلات العلمية. وقد انتهيت تقريبا من جمع المعلومات الضرورية وترتيبها، ولم يعد أمامي سوى استخلاص مدلولاتها، والربط بينها في تحليل كامل متسق.»
Bilinmeyen sayfa