وكان هو ممسكا بعجلة القيادة يفكر ويقول لنفسه: إنها فتاة غريرة تعيش في الأوهام. لم أتصور أنها ترفضني رغم مركزي وثروتي، يا لغبائها! ألا تحس بالمتعة وهي تجلس إلى جواري في هذه العربة الأنيقة؟! ألا تحس؟!
وكانت عيناها السوداوان شاردتين في الطريق الممتد الطويل، تفكر أيضا وتقول لنفسها: إنه رجل غرير يعيش في الأوهام، لم أتصور أنه يفكر في الزواج قبل أن يعرف الحب.
وكان كلاهما مخطئا، وكان كلاهما على صواب.
لا شيء يفنى
دوت الكلمة في أذنيها دويا غريبا جعل الحجرة تدور في اهتزازات قوية سريعة، رجت الأشياء رجا عنيفا ضاع معه تماسكها وتلاصقها، وانفصلت جزيئاتها وذراتها بعضها عن البعض، ففقد كل شيء لونه وحجمه وكثافته.
وجاهدت عيناها تبحثان عن الطبيب الطويل، أو عن معطفه الأبيض، أو عن منضدة الفحص الجلدية، أو عن الجدران الرمادية ... دون جدوى، فقد اختلط أمام عينيها البياض بالسواد، والإنسان بالجماد، والمساحات بالأحجام، وشعرت كأنما هي تغوص إلى قمة رأسها في مادة غريبة مخيفة، لها ملمس الطين، ولها ميوعة الماء، ولها سواد الليل، ولها عمق السماء.
وشعرت بذراعيها تثقلان وتثقلان كأنهما دكتا لآخرهما بالرمال.
ثم فتحت عينيها بعد لحظة، ورأت كل شيء في مكانه المعهود، ورأت الطبيب الطويل بمعطفه الأبيض، ورأت منضدة الفحص الجلدية والجدران الرمادية.
واقترب منها الطبيب في خطوات بطيئة ثقيلة، وسمعته يقول: كنت أظن أنك شجاعة.
ورنت كلمة شجاعة في أذنيها رنينا غريبا، كأنما فقدت معناها القديم.
Bilinmeyen sayfa