واقترب منها قليلا، وحاول أن ينطق بشيء، لكنه لم يقل شيئا. أيمكن أن تعبر كلمة الحب عن ذلك الزلزال الذي يرج عقله وقلبه وجسده؟ وأطبق شفتيه في صمت وأطبق أصابعه على أصابعها في قوة. آه لو تلاشى عقله أمام لحظة الجنون واحتواها بين ذراعيه، وظل يضغط عليها حتى تذوب؛ ولكنه ظل مترددا، لماذا هو متردد؟ ألا يجد في عينيها إجابة واضحة على السؤال الذي يصرخ في أعماقه: هل هي تحبني؟
ولكن تيارات التعبير المتباينة تمر بعينيها دون أن يلتقط جوابا، نظرة الحنان تحرك قلبه، ونظرة التحدي تثير رجولته، الأنوثة العارمة فيها إلى جانب تلك القوة التي تكاد تشبه قوة الرجولة؟ الأنوثة التي تشعره برغبة عنيفة في الالتصاق بها، والرجولة التي تشعره برغبة مثلها في الفرار منها، التناقض العجيب فيها، التناقض الساحر، سحر الحياة وسرها، وهذا الشعور العجيب، الشعور المتناقض، رغبته في الالتصاق بها ورغبته في الفرار منها، يربطه بها ربطا. هل هو ساحر مثلها؟ هل يحتوي كيانه على التناقض؟ هل يجمع مثلها بين رجولة قوية وأنوثة رقيقة؟ لم يقابل من قبل امرأة واحدة تجمع بين هذا التناقض، كانت المرأة إما أنوثة يرغب في الاتصال بها وإما رجولة يرغب في الفرار منها، ولكن أن يرغب في الالتصاق والفرار في نفس اللحظة وبنفس القوة؟ هذا هو الصراع الرهيب الذي يولد في أعماقه شرارة التردد، شرارة العقل الذي لا يغيب، شرارة العاطفة التي لا تهدأ.
وابتسم في إشفاق على نفسه وهو يحترق من الداخل بشرارة غريبة تضيع عليه فرصة الاستمتاع باللحظة التي يعيشها، لم يحترق من قبل بشرارة داخلية، كان يحس الشرارة خارجه وكان يطفئها بيديه أو شفتيه أو ذراعيه؛ ولكن كيف تصل أصابعه إلى تلك الشرارة المشتعلة في داخله؟
لا شيء سوى أن يعيش معها إلى الأبد؛ أن يتزوجها، أن يقترن كيانه بكيانها، وسمع نفسه يقول لها: لنتزوج!
ورآها تعتدل في جلستها ودموع كالندى تبلل عينيها، وقالت وهي حزينة: وزوجتك؟
آه! تذكر زوجته، وابنته، ولكن ليس لأحد وجود الآن في عقله وقلبه.
وقال في إصرار: أطلقها.
واعتدلت أكثر في جلستها، وبدأت تتكلم، وتكلمت كلاما نبيلا عاقلا، ولكن ما أقبح النبل في لحظة الحب! وما أقبح العقل في لحظة الجنون! وسمعها تقول: لا تطلق زوجتك من أجلي، ولا تفرق بين أم ابنتك وأبيها.
وشعر برغبة في أن يرد على نبلها بصفعة عنيفة على وجهها تخلع عن رأسها ذلك العقل القبيح، ذلك الكذب، ذلك النفاق، أيمكن لها أن تكون صادقة إذا كانت تحبني؟ أليست العاطفة طوفانا هائلا من الصدق والأنانية والجنون، يجرف في تياره كل ادعاء وكل نبل وكل عقل؟!
وكبح جماح غضبه واغتصب ابتسامة امتنان وتقدير وقال: أنت إنسانة نبيلة عظيمة.
Bilinmeyen sayfa