كنت آخذ تذاكري من الموظف في تلك اللحظة ذاتها باليد نفسها التي يتحدث عنها. لكن يدي لم ترتعش، ثم التفت في هدوء، وسرت مبتعدا عنه في طريقي إلى الحجرة حيث إلايزا والصبي. دق الجرس ونزل ماركس وقطيع المحققين معه من السفينة على السلم الخشبي ثم إلى الرصيف. رأيناهم من الحجرة السفلية، لكننا لم نبد أي إشارة على شعورنا الكبير بالارتياح. مرت الساعات وصعدنا إلى سطح السفينة لننظر إلى سواحل كندا المجيدة. ظلت السفينة السريعة تمخر عباب البحر، ووضعت إلايزا يدها على ذراعي فشعرت بها ترتجف بينما كنا نقترب بالسفينة من مدينة إمرستبيرج بكندا، وتشوش تفكيري حينها. رست السفينة ونزلنا عنها إلى الرصيف وكنت أحمل هاري على ذراعي. خشيت أن تقع إلايزا مغشيا عليها بينما كنا ننزل عن ذلك السلم الخشبي من السفينة. كان الأمر أشبه بالسير على الصراط الذي يؤدي إلى الفردوس. لكنها كانت شجاعة حتى اللحظة الأخيرة، وفي غضون لحظات كنا نقف ودموع الامتنان تنهمر من أعيننا، كنا واقفين تحت سماء الرب الحرة، والحياة أمامنا تفتح لنا ذراعيها. وقفنا في مكاننا صامتين لبعض الوقت حتى تحركت السفينة مرة أخرى. ثم وحين غابت عنا عيون الباحثين، ركعنا على الرمال وأذرعنا تلف الصغير وشكرنا الرب.»
كان هاريس يروي القصة أثناء انقطاعات كثيرة قام بها توم، فكان يقول بين الحين والآخر: «الحمد للرب!» «فضل من الرب!» والكثير من التعبيرات التي تعبر عن إيمانه وورعه. وكانت عيون جورج شيلبي تنهمر بالدموع وهو ينصت، لكن حين طلب هاريس أن يستمع إلى قصة عودة توم، لم يستطع أي منهما الحديث. لكن توم وضع يده السوداء في حنو تام على كتف سيده الشاب وقال: «سنخبرك أنا والسيد جورج بتلك القصة في وقت لاحق.»
جاءت كلوي متلهفة من ناحية الشرفة بينما كانت ترتدي عمامة جديدة ومنديلا رائعا تلفه حول فستانها القطني النظيف، وهرعت إلايزا إلى أحضانها ونطق الجميع بكلمات الشكر ومباركة هذا اللقاء. أبدت كلوي إعجابها بهاري، بينما أشادت بحسن مظهر كل من إلايزا وجورج، وفي النهاية طلبت منهم الذهاب إلى الكوخ ليتذوقوا الأطعمة التي اشتهرت بصنعها على العشاء.
قالت العمة كلوي: «كنت قد فرغت من سلخ الدجاجة من ريشها في اللحظة التي رأيت فيها توم وهو يقود العربة إلى الباحة، والطعام على وشك أن يجهز. سأطعم هاري الصغير الكعك المحلى الذي اعتاد سيده جورج أن يتناوله. يا إلهي! كان ذلك الصغير يراني وأنا أعد الكعك وكان يطل برأسه الصغير ويقول: «إنني أتباهى بك أمام توم لينكولن، أيتها العمة كلوي. إن طباخه لا يقارن بك.» أتذكر ذلك سيدي جورج؟» «أتذكر أيتها العمة كلوي، وما زلت أتباهى بك حتى الآن. سأمر عليكم بعد تناول الطعام. اطلب من الأولاد يا توم أن يأتوا بآلات البانجو الخاصة بهم، واجعلهم يغنون ويرقصون. ينبغي أن نحتفل على شرف إلايزا.» «كنت قد فرغت من سلخ الدجاجة.»
توجه الجميع نحو الكوخ، وكانت العمة كلوي لا تزال تضحك من المديح الذي تلقته، فكانت جوانبها السمينة تهتز من شدة ضحكها، وكان هاري ينظر إلى تفاصيل مشاهد من طفولته التي كانت مألوفة له فيما مضى، أما جورج شيلبي فكان قد صعد درج المنزل قبل أن يستدير فجأة ويصيح: «توم، من الأفضل أن تذهب في موعد قطار المساء. قد تصل السيدة أوفيليا وتوبسي إلى هنا، وينضمان إلينا هذا المساء.»
دخل جورج عبر الباب فوجد والدته جالسة تبتسم في الظلمة، فأحنى رأسه اليافع الأبي وقبلها دون أن ينطق بكلمة.
بعد تناول الطعام أقبل موس بعدد من أوراق الزينة الملونة في يديه وقد أشرق وجهه الأسود مبتسما. «أظن أن سيدتي ستحب أن أعلق هذه هنا في الرواق؛ حيث إننا سينضم إلينا مزيد من الصحبة.»
قالت السيدة شيلبي: «هذه فكرة رائعة يا موس. أعتقد أن السيدة أوفيليا ستسر بذلك.»
قال موس مبتسما: «أجل، وأتوقع أن السيدة توبسي ستسر بذلك أيضا.»
ضحكت السيدة شيلبي وقالت: «آه، فهمت. إن توبسي هي المنشودة إذن.» «أجل، وقد أعددت لها أغنية أيضا.»
Bilinmeyen sayfa