الفصل الأول
كان كوخ العم توم عبارة عن مبنى خشبي صغير قابع بجوار «المنزل الكبير»، وهو الاسم الذي يطلقه الزنوج على مسكن سيدهم. في مقدمته كانت هناك حديقة أنيقة تنمو فيها الخضراوات والفواكه في كل صيف في ظل عناية شديدة. وكانت مقدمة الكوخ بأكملها مغطاة بكرمة بيجونيا قرمزية اللون، وورد متسلق جميل ملتو ومتشابك لدرجة أنه يكاد لا يبقي شيئا ظاهرا من الخشب المصنوع منه الكوخ.
أما وجه العمة كلوي المستدير الأسود اللامع فكان براقا لدرجة أنها بدت وكأنها غسلت وجهها ببياض البيض، مثل إحدى قطع بقسماط الشاي الخاص بها. وكانت ملامحها الممتلئة تشع بهجة وفرحة تحت عمامتها المبسوطة؛ ذلك أن سيدها اليافع جورج كان موجودا، وكان من المؤكد أنه سيثني على طعام العشاء الذي أعدته؛ مما سيعطيها إحساسا كبيرا بالرضا. «بهذه الطريقة كتبت الحرف
q . ألا ترى؟»
كانت العمة كلوي طباخة ماهرة بكل تأكيد، وكانت تعشق الطبخ بكل جوارحها. كان يهابها كل الدجاجات والديوك الرومي والبط في الحظيرة حين يرونها تتقدم نحوهم، وكانوا يفكرون في نهايتهم. وفي الواقع كانت العمة كلوي تفكر دوما في أمور الحشو والشواء، لدرجة كانت تبث الرعب في نفوس الدجاج لو كان ذا عقل. وكانت كعكة الذرة التي تعدها بكل أشكالها المتنوعة - الهوكيك والكعك المحلى والمافن - تعد لغزا محيرا لكل الطباخين الأقل منها مهارة، وكانت تهز خاصرتها السمينة فرحا حين يحاول أحد الخدم الآخرين إعداد وجبة لأي من أصدقاء سيدها. كان وصول الرفاق إلى المنزل، وترتيب طاولات الطعام في الغداء والعشاء بطريقة أنيقة يوقظ في العمة كلوي طاقاتها، ولم يكن هناك منظر محبب إليها أكثر من وجود مجموعة من حقائب السفر على الشرفة؛ ذلك أنها كانت ترى حينها فرصة جديدة لبذل المزيد من المجهود وتحقيق انتصارات جديدة.
وفي إحدى زوايا الكوخ كان هناك سرير مغطى بلحاف أنيق لونه ثلجي، وعلى قطعة من سجادة ذات حجم معقول تغطي جزءا من الأرضية أمام السرير، كانت العمة كلوي تقف في مهابة مثيرة للإعجاب. كانت تلك الزاوية الصغيرة هي الصالون بالنسبة للكوخ. أما السرير على الجانب الآخر فكان هو المصمم للاستخدام، وعليه كان الأطفال السود الصغار يلعبون ويتقافزون كيفما يحلو لهم، من دون كلمة استنكار واحدة من أمهم.
وعلى مقعد صلب بجوار الموقد العريض كان هناك طفلان ذوا شعر يشبه الصوف يحاولان تعليم طفلة صغيرة أخرى كيفية المشي. كانت الطفلة الصغيرة السوداء تقف على قدميها، وتسعى للحفاظ على توازن جسدها للحظات، ثم تقع مرة أخرى بينما يضحك الطفلان الآخران ويهللان لها.
وكانت هناك طاولة آيلة للسقوط كالطفلة الصغيرة سالفة الذكر، كانت تلك الطاولة مركونة في مكان مريح أمام نار الموقد، ومغطاة بقماش وموضوعا عليها فناجين الشاي وأطباقها. جلس العم توم - وهو رجل أسود طويل تبدو عليه علامات الجلد والقوة - إلى الطاولة وكان يحاول نسخ حروف الهجاء على ورقة مقطوعة، وكان السيد جورج ذو الثلاثة عشر عاما يحاول أن يجعل العم توم يفهم هذه الحروف. كان أطفال المنزل الكبير جميعهم يحبون توم ويثقون به. كان يكبر أباهم بقليل، ولم يسأموا أبدا من سماعه وهو يقول كيف أن «السيد شيلبي العجوز» وهو جدهم قد وضع الطفل الصغير الذي أحبه للغاية بين ذراعيه السوداوين حين كان في سن السادسة وقال: «هذا هو سيدك الصغير يا توم. اعتن به والعب معه، ومت في سبيله إذا لزم الأمر. تذكر أنك ملك له.»
وفي نهاية قصته هذه كان توم يقول دوما: «ولم أخذل سيدي أبدا بأي طريقة كانت.»
وقال توم لجورج بينما كانا ينتظران نداء العمة كلوي معلنة عن موعد العشاء: «لقد كنا معا في الطفولة والبلوغ، وسنظل معا في العالم الآخر، حين تفتح السماء أبوابها، وأطفال السيد آرثر الصغار كذلك - إني أحبهم كحبي لأطفالي.»
Bilinmeyen sayfa