80

كن صحابيا

كن صحابيا

Türler

وصف نعيم أعلى أهل الجنة منزلة وقدر سعة الجنة ثم سأل موسى ﵇ فقال: (فأعلاهم منزلة؟!)، أي: إذا كان هذا أقل واحد فكيف أعلاهم منزلة؟ (قال: أولئك الذين أردت. غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال ﷺ: ومصداقه في كتاب الله ﷿: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:١٧]). وسأذكر لكم شيئًا غريبًا جدًا -وفكروا فيه- ألا وهو: لا تتعجبوا لو كان نصيب واحد منا في الجنة مقدار مجموعة شمسية مثلًا، فمجرة درب التبانة فيها أربعمائة ألف مليون مجموعة شمسية مثل مجموعتنا هذه، وتذكرون هذا الكلام وقد مر معنا في محاضرة سابقة، وإذا كان في الكون مائتا ألف مليون مجرة مثل مجرة درب التبانة، وهذا الرقم اكتشف حاليًا، وكلما تصنع تلسكوبات أكبر كلما سنجد أكثر وأكثر وأكثر، يعني: أن عدد المجموعات الشمسية في الكون التي عرفناها إلى الآن كم؟ اضرب هذا في هذا ينتج: ثمانين ألف ألف ألف ألف ألف مليون مجموعة!!! ثمانية وأمامها اثنين وعشرين صفرًا، رقم في حياتنا لم نسمع من قبل ولن نسمع به، وهو بلا شك يفوق أعداد البشر كلهم، فلو أن كل أهل الأرض دخلوا الجنة سيكون رقمهم أقل من ثمانية وأمامها اثنان وعشرون صفرًا. وكل هذا زينة السماء الدنيا، وكل هذا تحت السماء الدنيا، ولم نصل بعد إلى السماء، ولا أحد يفكر أن يصل إلى السماء، بل العلماء لا يفكرون إلا في بلوغ مجرات تلو مجرات، وكل هذا تحت السماء. لكن نحن نقول: سبع سماوات، ثم نقول بعد ذلك: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران:١٣٣]، جنة عرضها السماوات والأرض، يعني: أن كل الذي تكلمنا عنه جزء من جزء من جزء من جزء من الجنة، إذًا فليس غريبًا لو كان للواحد منا ملك كالمجموعة الشمسية، وهذا لتعرف ما معنى: ﴿عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران:١٣٣]، ولأجل أن تعرف لماذا عمير بن الحمام ﵁ لم يصبر على أكل التمرات؟ فهو لم يصبر عن ملك مثل المجموعة الشمسية عشرات المرات، وهو من المجاهدين وليس آخر من يدخل الجنة، ولا من عوام أهل الجنة، وإنما من السابقين السابقين، من أهل الجهاد، من الناس الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله. وأريد منكم أن تتخيلوا حجم الجنة: ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران:١٣٣]، فهذا العرض بينما لم يأت حديث يصرح بطول الجنة وكم مقداره، لكن هناك أحاديث يمكن أن يفهم منها -ولو تخيلًا- طول الجنة. روى البخاري عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)، وتخيل المسافة بين الأرض وبين أبعد كوكب في أبعد مجرة في الكون، لا شك أنها أقل حتمًا من المسافة بين السماء والأرض، ولم نصل بعد إلى السماء، وأريدك أن تتخيل كم سنة ضوئية؟ كم ألف ألف ألف مليون سنة ضوئية؟ وتخيل أن الدرجة الواحدة في الجنة من نصيب المجاهدين كما بين السماء والأرض، وعندك مائة درجة للمجاهدين في سبيل الله وحدهم، فكم حجم الجنة كلها؟ وكم الطول؟ وكم العرض؟ فهذه هي الجنة. روى البخاري عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة)، الناس الذين يبحثون عن شقة ولم يجدوها، ويبحثون عن غرفتين وصالة، وثلاث غرف وصالة، وأربع غرف وصالة، وأقصاها كيلو في كيلو، وما أحد قد دخل في بيت بهذا الحجم والسعة، لكن تخيل معي الجنة: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة -مقدار هذا البيت- عرضها ستون ميلًا)، يعني: حوالي مائة كيلو، من القاهرة إلى الفيوم تقريبًا، فهذه شقة واحدة في الجنة، وممكن يكون عندك أكثر من واحدة، وفي كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، فهذا بيتك في الجنة: لؤلؤة وقصر وفلة؛ فهذه هي الجنة. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري ﵁ وأرضاه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها)، أي: في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد وليس أي جواد، بل المضمر، يعني: المجهز للجري السريع، فيستمر هذا الفارس على هذا الجواد في الجري مائة سنة ما يقطع ظل الشجرة، فإذا كان هذا نعيم الجنة فلماذا نتقاتل على هذه الدنيا؟ ولماذا نجعل كل همنا في الدنيا؟ وهل رأيتم المستوى الذي نتكلم عنه؟ وكم مقدار المساحات في الجنة؟ وكم مقدار النعيم فيها؟ وكم مقدار رحمة ربنا ﷾ بعباده على أعمال بسيطة لا تساوي شيئًا أبدًا في ميزان الله جل وعلا يوم القيامة؟ كل هذا ماذا يساوي

8 / 8