موقفهم في الجهاد
في قضية الجهاد في سبيل الله هناك موقف نعرفه كلنا، إنه موقف لـ حنظلة بن أبي عامر ﵁ وأرضاه، غسيل الملائكة، أي: الرجل الذي غسلته الملائكة، فقد سمع حنظلة النداء يوم أحد وهو عريس، وكان قد تزوج في الليلة الماضية، وكان جنبًا، فسمع داعي الجهاد يطلب الناس للخروج إلى الجهاد في سبيل الله في أُحد، فلم يصبر حنظلة حتى يغتسل، بل خرج مسرعًا إلى الجيش، وانظر إلى هذه الاستجابة الفورية، فهو ليس بمكره، بل مشتاق ومتلهف إلى تنفيذ أوامر الله ﷾: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة:٢٨٥]، فذهب إلى أُحد واستشهد وهو جنب، فغسلته الملائكة، فأصبح حنظلة غسيل الملائكة.
ليس هناك معنى لكلمة (الظروف) عند الصحابة، بل كان عندهم معنى لقول الله تعالى، أو لقول الرسول ﷺ، فيا تُرى هل خسر حنظلة؟ لا، فـ حنظلة لو كان في بيته كان سيموت في نفس الساعة التي مات فيها، لكن بدلًا من أن يموت على فراشه يموت في ميدان الجهاد شهيدًا، وبدلًا من الموت معتذرًا متخلفًا يموت مجاهدًا مقبلًا غير مدبر، والموت لا يؤجل: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف:٣٤].
إذًا: فـ حنظلة وإن لم يكن يعرف ميعاد الموت إلا أنه قد اختار طريقة الموت.
فهذا هو الذكاء، وهذه هي الفطنة، وهذا هو المطلوب من المؤمن العملي، فلو أنك تعيش لربنا فستموت له ﷾، ولو أنك تعيش حياة الجهاد ستموت مجاهدًا، ولو أنك تعيش حياتك في سبيل الله، ولم يكن في يدك أن تختار وقت موتك، إلا أنه في يدك أن تختار طريقة موتك، وتذكر: (يبعث المرء على ما مات عليه)، فمن مات على صلاة يبعث على صلاة، ومن مات على تلبية وهو في الحج يبعث ملبيًا، ومن مات على جهاد يبعث على هيئته وقت الجهاد، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ونحن الذين نختار الطريق.
6 / 7