العمل بالعلم
الضابط الخامس: العمل، أي: العمل بما تعلم؛ لأنه ما الفائدة أنك تعرف كذا وكذا من أمور العلم ثم تعمل بغيرها؟ وما هي الفائدة في أنك اكتسبت خبرات طويلة جدًا، وقرأت كتبًا عظيمة جدًا، وحضرت دروس علم ومجالس علم، ثم في النهاية تعمل بطريقة أخرى غير التي تعلمتها؟! وأين أيضًا قيمة العلم عنده؟ وتأموا في كلام علي بن أبي طالب ﵁ وأرضاه، عند الدارمي ﵀: يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوامًا يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا، فهم لا يتعلمون العلم لأجل أن يعملوا به، وإنما لأجل أن يقال فيهم أنهم علماء، ولأجل أن يقولوا عنهم أنهم يحملوا علمًا كبيرًا جدًا، ولأجل تكبر حلقته والناس يستمعون له، لأجل هذا فقط هو يتعلم العلم، وهذا ليس بعالم.
ثم يقول علي بن أبي طالب ﵁ بعد ذلك: حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه.
أي: أنه لو ذهب إلى عالم غيره يسخط عليه، فهذا هو العالم المباهي بعلمه، والذي لا يخلص لله ﷾، وقد تحدثنا فيما مضى عن قيمة الإخلاص، وقلنا: إن من الثلاثة الذين تسعر بهم النار: رجل تعلم العلم لغير ذات الله ﷿، فهو لم يتعلمه لوجه الله ﷿.
ثم يقول علي بن أبي طالب ﵁ بعد ذلك: أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله ﷿.
فعمله محبط؛ لأنه فُقِد منه الإخلاص، فإذًا لا بد أن تعمل بالذي تعرفه، فهذا الموضوع في غاية الأهمية، والضابط هذا يحتاج منا إلى كلام كثير جدًا.
وإن شاء الله في المحاضرة القادمة جميعها سوف تكون عن هذا الموضوع، وستكون عن الصحابة والعمل، وهنا قد تحدثنا عن الصحابة والعلم، وإن شاء الله في اللقاء القادم سنتحدث عن الصحابة والعمل.
وأختم هذه المحاضرة بكلمة بليغة عميقة ورائعة للعالم الصحابي الجليل معاذ بن جبل ﵁ وأرضاه، وهو يوضح فيها قيمة العلم، يقول: تعلموا العلم فإن تعلمه لله تعالى خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعلميه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة.
فهذا هو العلم في منظور معاذ بن جبل ﵁ ورضي الله عن صحابة رسول الله ﷺ أجمعين.
نسأل الله ﷿ أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:٤٤].
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
5 / 10