119

كن صحابيا

كن صحابيا

Türler

عظم أجر الدعوة إلى الله تعالى لا شك أن المسلمين جميعًا يفقهون قيمة الدعوة، وقيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن نحن في هذه المجموعة نريد أن نتعرف على نظرة الصحابة لقضية الدعوة إلى الله ﷿، لقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف تكون صحابيًا في دعوتك؟ وكيف تكون صحابيًا في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر؟ إنها قضية في غاية الأهمية، وأنا أعتبر هذا الدرس من أهم الدروس في هذه المجموعة، لأنه ليس هناك أمة يمكن أن تبنى من غير دعوة، نعم قد يوجد أفراد عظماء جدًا من غير دعوة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لكن هو في حاله ومشغول بنفسه، فلا ينشر هذا الكلام إلى من حوله، لذا كان من المستحيل أن تقوم أمة بغير نشر الدعوة بين الناس وبين عموم المسلمين وغير المسلمين، وممكن أن يقوم فرد واحد، لكن أمه مكونة من أفراد كثيرين ومجتمع هائل من البشر، لا بد أن تصل الدعوة للناس جميعًا، وتعالوا بنا لنرى كيف كان الصحابة يفكرون في قضية الدعوة؟ وكيف جعلوها قضية أساسية تمامًا في حياتهم؟ إنه ليس من الممكن أن تقرأ في سيرة أي صحابي إلا وتجد الدعوة ركنًا أساسيًا من أركان حياته، وليس من الممكن أن تجد عنده يومًا أو يومان أو عشرة أو عشرين أو سنة أو سنتين من حياته من غير دعوة، وإنما كل حياته موجهه إلى تعليم الآخرين، وكل حياته موجهة إلى دعوة الآخرين للإيمان بالله ﷿ وطاعته وطاعة رسوله الكريم ﷺ. إن الشيء المهم جدًا في نظرة الصحابة إلى الدعوة أنهم كانوا يعلمون أن المستفيد الأول من عملية الدعوة هو الداعية نفسه لا المدعو، فالرجل الذي يقوم الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المستفيد الأول من الدعوة، وحتى ولو لم يستفد الشخص الذي دعاه ولم يسمع كلامه، فالداعية مستفيد أيضًا على كل الأحوال، فكما أنه يصلي ويصوم ويزكي ويجاهد في سبيل الله، ويقوم بأنواع الخير المختلفة، ويطلب من الله ﷿ ثواب هذا العمل، فهو أيضًا يطلب ثواب هذه الدعوة من الله ﷿، وثواب الدعوة لا يمكن لعقل أن يتخيله، لأنه يمكن أن تتخيل ثواب الصلاة أو ثواب الزكاة أو ثواب الإخلاص في سبيل الله، وقد أخبرنا ربنا ﷿ كثيرًا عن هذه الطاعات وثوابها في كتابه الكريم، وكذلك نبينا محمد ﷺ في السنة، لكن ثواب الدعوة لا يمكن أن تتخيله؛ لأن الرسول ﷺ قال كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ وأرضاه: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)، فإذا دعوت شخصًا إلى الخير وعلمته الصلاة، وبدأ يصلي بعد أن دعوته إلى الله ﷿، فكل الصلوات التي يصليها هذا الرجل والتي تخفى عليك تمامًا هي في ميزان حسناتك، وسواء عاش عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة، فكل السنوات التي يعيشها ويصلي فيها فرضًا أم نفلًا في الليل أو في النهار يحصل لك من الأجر مثل أجره تمامًا، وإذا علم الرجل أولاده الصلاة، فكل صلوات أولاده في ميزان حسناتك أنت أيضًا، وإذا علم جيرانه الصلاة، فكل صلوات جيرانه في ميزان حسناتك أنت أيضًا، ثم بعد ذلك لو أصبح -الذي علمته الصلاة- داعية إلى الله في بلد آخر وفي أي زمان وفي أي مكان فكل الناس الذين سيدعوهم إلى هذا الأمر في ميزان حسناتك، وممكن أن هذه الدائرة ستظل تعمل بعد أن تموت بسنوات طويلة، بل قد تظل تعمل حتى قيام الساعة. وهذا شيء عظيم أن تصل إليك حسنات من أناس لم ترهم ولم تعرفهم ولم تعش في زمانهم، وأعظم من ذلك أن هذا الأمر يستمر إلى قيام الساعة، ونحن الآن على مدى كل هذه السنين نضيف حسنات لمن دعوا هذه الأمة إلى هذا الخير الذي نحن عليه، كـ أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة والتابعين، وكذلك الناس الذين حملوا هذه الرسالة وأوصلوها إلينا، فكم من الخير يمكن أن يكون في أمر هذه الدعوة إلى الله ﷿؟! لأجل ذلك كان يضحي الداعية بعمره كله، لكن لا يضحي بأمر الدعوة أبدًا إلى الله ﷿، ولأجل ذلك كان يبذل النفس والروح والوقت والعرق والمجهود وأي شيء آخر، لكن لا يمكن أن يضحي بقضية الدعوة؛ لأن ثوابها لا يمكن أن يتخيله أحد أبدًا، ومن هنا نستطيع أن نفهم كلام ربنا ﷾: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:٣٣]، من أحسن من هذا؟ مستحيل مهما قلت وعددت من الأعمال الصالحة: الذاكر لله ﷿، والقائم يصلي، والقارئ للقرآن، وغيرها من الأعمال الفاضلة جدًا، لكن تبقى قيمة الدعوة أعلى وأعظم، لأن الداعية لا يعمل هذه الأشياء فقط، بل يجعل غيره يعملها، وهذا فضل عظيم وكبير.

11 / 3