أكثر لذة وأحسن إمتاعا من معاشرة اثنين كلاهما يهنأ الآخر؟
أيها الهرم الأحمق الذي يستبد بالجميلة الفاتنة! إنك تعبث بذنب السفينة فإذا انحرفت هنا وهنا زعمت أنها تضل الطريق لسوء تركيبها، ألا فاعلم - ويحك - أنك لا تصلح أن تكون ربان هذه السفينة، وإذا كنت تستطيع أن ترفع شراعا أو تحرك مجدافا، فما أنت وهذه الباخرة؟ ماذا تصنع - ويلك - في آلات هذا القلب الذي صنعته يد الله ليخوض لجج الحب في بحر الشباب إلى ساحل السعادة، وليس بينه وبين الهلاك إلا أن يرتطم في ذلك البحر بصخرة الموت التي لا تكون أكثر ما تكون إلا من رأس رجل هرم.
عسيت تقول إنك غني ملء الأمل الواسع، وإن هذه الحسناء ستفضي من طريق مالك إلى طريق حبك؛ لأن المال - زعمت - أوسع طرق الحياة وأطولها، وفيه منفذ إلى كل طريق شئت أو شاء الهوى، فلعمري إن هذا المال كما تزعم، ولكن لا يذهبن عنك أنك لا تعرف إلا فاتحة الطريق إلى هذه الحسناء، وأن خطط الآمال ليست من «شوارع التنظيم» أو الطرق السلطانية التي يفضي كل منها إلى جهة بعينها، أو جهات لا يخطئها من انطلق بسبيلها؛ فقد تبدأ تلك الحسناء من طريق هذا الغني الذي تفتحه لها، ثم لا تلبث أن تنعطف إلى مذهب من مذاهب قلبها، ثم تأخذ من هناك في ناحية من نواحي مصائبك ؛ لأن سبيل حبها وسعادتها من تلك الناحية، ثم تفضي من كل ذلك إلى طريق من الحياة، إذا هي أبصرتك فيها رأتك وليس من ورائك للبغض مذهب، ورأت وجهك ثمة كأنه صفيحة مما تكتب عليه أسماء الطرق، وقد كتب عليها «شارع المقبرة»!
أنت أيها الأحمق استنقذت هذه الحسناء من الفقر، ثم جعلت تباعد ما بينك وبينها، فأخذتها خادمة وجعلتها سيدة، وبصرتها بما كانت تجهل من فنون الجمال وأساليب الهوى، ثم جعلت غاية كل ذلك إمتاع جسمك الفاني ولذة قلبك الخرب، فنسيت نفسك بادئ الرأي ولم تذكر إلا الفتاة فاتخذتك صديقا، ثم نسيت الفتاة آخرا ولم تذكر إلا نفسك فاتخذتك عدوا، فلولا تركتها على جهلها وغرارتها ما دام العلم بالحب لا يكشف منك للحب إلا عن خرافة؟
ويا عجبا من غرام الشيوخ بالفتيات! فإن أكثر من أنت واجد من المحبين وأهل العشق، متى أصابه الكبر وذكر حوادث حبه، رأى فيها ما يسميه جهلا، وما يسميه حماقة، وما يسميه غفلة، وما يسميه خطيئة؛ كأن الهرم يجعل الأشياء نفسها هرمة؛ إذ ينزع منها أوهام الشباب وغروره، فلا تظهر من ثم إلا حقائق مخلصة؛ فما عسى أن يرى الشيوخ فيما يسمونه غراما؟ بل ما عسى أن يرى الحب في هؤلاء الشيوخ «المتطفلين»
48
إلا ما يسمى حماقة وجهلا وغفلة وخطيئة؟
يحب الفتى الناشئ حبا طاهرا يستوجف قلبه،
49
فيقول أكثر الناس: أحب قبل زمن الحب!
Bilinmeyen sayfa