3
وخلقه الله واحدا وهو في الرذائل يتعدد، وقد انتفخ كأنه شدق إسرافيل، وامتد كأنه يد عزرائيل، واستكبر كأنه فرعون على النيل! «وفلان» وما أدراك ما فلان؟ جبل شامخ والناس في سفحه رمال، ومجد باذخ ولا مجد لمن ليس له مال، وهو في أهل الغنى الألف والباء، وأن قيل في غيره «ابن نعمة» فهو في أهل النعمة أبو الآباء، على رأس عظيم كأنه ركن الكعبة الذي يتوجه عباد الغنى إليه، وقامة بائنة
4
كأنها لجاه صاحبها قطعة من المحور الذي تدور هذه الأرض عليه؛ وهناك أنف أما في السماء فله منزلة، وأما في الأرض فعطسته زلزلة، ينفض الناس من رهبته نفضا، ويفرش الوجوه من هيبته أرضا، وكأنه في تلك الكبرياء ميزان معلق يرفع من ناحية ويخفض من ناحية، بل كأنه في ذلك الوجه القفر جحر للنحس تختبئ فيه الداهية!
قال «الشيخ علي»: وما أنت يا بني وهذه «الفلانات» وأمثالها؟ إن هؤلاء الناس بعض أعمال الله في أرضه، فهو يخلقهم وينشئهم ويديرهم لتعلق طائفة من الأقدار بنتائج أعمالهم طردا وعكسا، فما أشبههم بدابة الطاحون؛ تلزم دائرتها ولا تفتأ تدور إلى غير انحراف، ثم هي لعلها حين تسمع ذلك الهزيز وتلك الجعجعة تحسبها من نشيد الاحتفال بها!
فهم قوم مسخرون فرشهم الله أمرا من أمره،
5
ويسرهم لما خلقوا له، فضربهم بالحرص والطمع ضربة جبار لو نالت السموات والأرض والجبال لأشفقن منها، وجاءهم الحرص بهذا المال، أما الطمع فجاءهم بماذا؟ جاءهم يا بني، لو قلت بصدأ القلب وهرم النفس ودناءة الطبع، ولو قلت بكل ما في الحشرات من القذر، وبكل ما في السباع من الضراوة، وبكل ما في الدبابات من السموم؛ لكنت عسى أن أقارب الوصف، ولكن المعنى الذي يتلجلج في نفسي أكبر من ذلك كله.
غير أني أقول لك يا هذا: إن ثلاثة من المتجاورات يفسر بعضها بعضا؛ الحرص مع الطمع، ثم المال ورذائله، ثم ما في المعدة وما في الأمعاء.
أتحسب أن هذا العالم يحفل برجل من الأغنياء قد أجحف
Bilinmeyen sayfa