قد تعترض أمام ما يأمر به الضمير عقبات، فالإرادة القوية تذللها وتشعر بارتياح من تذليلها والتغلب عليها.
وكما تحتاج إلى الإرادة في تنفيذ أوامر الضمير نحتاج إليها في تنفيذ نهيه، وذلك بمقاومة الميل إلى الشر وصده والوقوف في سبيله حتى لا يخرج إلى الوجود.
والإرادة القوية سر النجاح في الحياة - وفضائل الإنسان وملكاته تظل في سبات حتى توقظها الإرادة، فمهارة الصانع، وقوة عقل المفكر، والشعور بالواجب ومعرفة ما ينبغي وما لا ينبغي، كل هذا لا أثر له في الحياة ما لم تحوله قوة الإرادة إلى عمل. (4) تربية الضمير
الضمير ككل - ملكات الإنسان وقواه - تنمو بالتربية وتضعف بالإهمال، فبعصيان الضمير يضعف أو يموت، شأنه في ذلك شأن أديب يتذوق الشعر والأدب، فإذا هو أهمل قراءة الأدب واشتغل «بالرياضة» ضعف ذوقه الأدبي حتى قد يصل إلى درجة لا يدرك معها ما في الأدب من جمال، كذلك يعصى الإنسان ضميره مرة فيحس بلذع شديد من جراء عصيانه، فإذا تكرر منه العصيان أحس بلذع دون ما كان يشعر به عند أول مخالفة، ولا يزال الإنسان يتبع السيئة السيئة حتى لا يشعر بأي نوع من اللوم والتأنيب، لأن صوت ضميره قد خفت وسلطانه قد ضعف. وكما يضعف الضمير بالعصيان يضعف بصحبة الأشرار وإطالة القراءة في الكتب الساقطة، فكلا الأمرين يكرر منظر الشر أمام النفس حتى تعتاده، وكلاهما يتحدث عن الشر حديث المستحسن فيتخدر الضمير ويخمد صوته.
ويحيا الضمير بمداومة طاعته، وباستخدام الإرادة في تنفيذ أمره ونهيه وصحبة الأخيار وقراءة الكتب التي تدعو إلى الفضيلة، ومما يساعد على نموه قوانين البلاد، فإنها إن كانت صالحة شاركت الأخلاق في الأمر بالخير، فتساعد على حياة الضمير وتزيد في سلطانه.
خير شيء في الإنسان ضميره، فهو «الدليل» الذي يهدي سبيل السلام.
الفصل الثالث
الحكم الأخلاقي
(1) معنى الحكم الأخلاقي
تصدر من الإنسان أحكام كثيرة متنوعة، فإذا قال: «المبتدأ مرفوع» فهذا حكم نحوي لا أخلاقي، وإذا قال: «الأجسام تتمدد بالحرارة» فهذا حكم طبيعي لا أخلاقي، إنما الحكم الأخلاقي هو أن تحكم على الشيء بأنه خير أو شر، فالصدق خير حكم أخلاقي، والكذب شر كذلك.
Bilinmeyen sayfa