وقد دعا إلى هذا الملك أن وسائل الحياة لا تكفي لسد رغبات كل الناس، فتزاحموا على طلبها، ودعاهم حب الذات إلى الإستئثار بها فكان الملك.
الملك الخاص والملك العام
وإنا بالملاحظة نرى شكلين للملك، فتارة يكون ملكا خاصا كملك شخص كتابا أو منزلا أو ثيابا، وتارة يكون عاما كالسكك الحديدية والمتاحف ودار الكتب ودار الآثار.
وإنما جعلت بعض الأشياء ملكا خاصا وأخرى ملكا عاما لأنا رأينا أن الملك الخاص أدعى إلى عدم التبذير وإلى العناية، وهو في هذين يفضل الملك العام، ورأينا الملك العام يحمي من الإحتكار ومن استبداد المالك.
فالملك الخاص خير عندما تكون ملكيته أدعى إلى العناية والتدبير، والملك العام خير عندما تكون ملكيته أنفى للاحتكار واستبداد فرد أو أفراد قليلين بها، فالثياب التي يلبسها الإنسان وما يأكله والمسكن الذى يسكنه خير أن تكون ملكا خاصا له، لأنه بها أكثر عناية، ولا خوف فيها من احتكار واستبداد، أما المتحف أو الشارع فلو كان في ملك فرد لاستبد بالناس وفرض عليهم من الرسوم ما يضر بهم فكان من الخير أن يكون ملكا عاما.
وهناك أشياء كان من الواضح فيها أن تكون ملكا عاما لانطباقها على القاعدة المتقدمة في الملك العام ولكن أعطيت للشركات تديرها كشركة المياه وشركة النور، ومنعا لاستبدادها بالأمة عقدت الحكومة معها شروطا تجعل حدا أقصى لثمن الوحدات منها.
وليلاحظ أن الأشياء التي نقول: إنها ملك عام هي التي يعبر عنها بأملاك الحكومة، ذلك لأن الحكومة نائبة عن الأمة، فهي تدير هذه الأملاك وتتصرف فيها نيابة عن الأمة.
وحق الملك يستلزم واجبين: واجبا على الناس وهو أن يحترموا ملك المالك فلا يتعدوا عليه بسرقة أو غصب أو نحو ذلك، وواجبا على المالك نفسه وهو أن يستعمل ما يملك أحسن استعمال.
وإذا كان من الناس من هم أحوج منا إلى ما نملكه وكانوا محتاجين إليه لاستعماله في حاجة أكثر ضرورة من حاجتنا وجب علينا أن نبيح لهم استعماله، فإذا كنا نملك عجلة أو سيارة وكان جار لنا مريضا واحتيج إلى العجلة للاسراع في إحضار الطبيب وجب علينا أن نبيح لهم استعمالها، لأن استعمالها في حفظ الحياة يفضل أي استعمال آخر كالتروض، ولو أن بيتا لغني احتيج إليه في أيام الحرب ليكون مستشفى يعالج فيه الجرحى الذين دافعوا عن أوطانهم وجب على المالك أن يبيح لهم ذلك، وواجب أن تعطف على البائس الفقير الذي لا يجد ما يسد رمقه فتمنحه شيئا مما زاد عن حاجتك، وقد صدق الشاعر إذ يقول:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة
Bilinmeyen sayfa