واستأنفا القتال في سكون، فتبادلا ضربتين شديدتين، ولكن ضربة أحمس كانت أسرع إلى رقبة خصمه الجبار فسرت فيه رجفة هائلة، وتراخت يده عن مقبض سيفه ثم سقط على الأرض كأنه بنيان تهدم، ودنا الملك منه في خطى بطيئة، ونظر إلى وجهه بعين ملؤها الاحترام وقال له: يا لك من جبار باسل أيها الحاكم خنزر!
فقال الرجل وهو يصعد أنفاس الحياة الأخيرة: بالحق نطقت أيها الملك .. ولن يعترض سبيلك من بعدي مقاتل.
وتناول أحمس سيف خنزر ووضعه إلى جانب جثته، ثم امتطى جواده وعاد إلى معسكره، وكان يعلم أن الرعاة سيحاربون بحنق ورغبة في الانتقام، فأقبل على فرسانه وصاح بهم: أيها الجنود، رددوا شعارنا الخالد: «حياة أمنمحيت أو ميتة سيكننرع»، واذكروا أن مصيرنا إلى الأبد معلق بنتيجة هذه المعركة الدائرة، فلا ترضوا أبدا أن يضيع صبر الأعوام وجهاد الأجيال في تخاذل ساعة واحدة!
ثم حمل وحملوا ودار القتال عنيفا حتى مغيب الشمس.
واستمر القتال على هذا النحو عشرة أيام كاملة.
8
وفي مساء اليوم العاشر من أيام القتال عاد الملك أحمس من الميدان متعبا منهوك القوى، فاجتمع بحاشيته وقواده، وكان سقوط خنزر قد ألحق بجيش الرعاة خسارة لا تعوض، ولكن فرقة عجلاتهم لبثت تقاوم وتصد هجمات المصريين وتوقع بهم الخسائر الفادحة، فساور الملك القلق، وخشي أن تتحطم فرقة العجلات الجبارة يوما بعد يوم، وكان في ذاك المساء غاضبا حزينا لكثرة من سقط من فرسانه البواسل الذين يتصدون للموت بغير مبالاة، فقال وكأنه يحدث نفسه: هيراكونبوليس .. هيراكونبوليس .. ترى هل يقترن اسمك بانتصارنا أم بهزيمتنا؟
وكان المجتمعون لا يقلون عن الملك حزنا أو غضبا، ولكن راعهم ما يبدو على وجهه الجميل من التعب والانفعال، فقال الحاجب حور: مولاي .. إن فرساننا يقاتلون فرقة عجلات الرعاة بكامل عددها وعددها فلا تهولنا خسائرنا، وغدا إذا ظهرنا على العدو وحطمنا عجلاته فلن يكون لمشاته قبل بنا، وسيلوذون بأسوار الحصن فرارا من انقضاض عجلاتنا عليهم.
فقال الملك: كانت غايتي الكبرى أن أقضي على عجلات العدو مع الاحتفاظ بقوة عظيمة من عجلاتنا لتسيطر على الميدان دائما، كما فعل الرعاة في هجومهم في طيبة، ولكني بت أخشى أن يقضى على قوتينا الراكبتين معا، فنتعرض لحرب طويلة الأمد لا تبقي على مدننا ولا تذر.
وطلب الملك أن يطلع على الإحصاء الأخير للخسائر، وجاء ضابط به فإذا فرقة العجلات المصرية قد خسرت ثلثي قوتها من العجلات والفرسان.
Bilinmeyen sayfa