10
وجاء الذين دعاهم الحاكم، ورأى إسفينيس أن يخفض بصره تأدبا، ولكنه سمع صوتا رخيما زلزلت له نفسه زلزالا شديدا يقول: لماذا أزعجت مجلسنا أيها الحاكم؟
فاختلس نظرة إلى الداخلين، فرأى في مقدمتهم الأميرة التي زارت بالأمس قافلته وانتقت القلب الزمردي، وكان منظرها كما عهده يغشى العيون، ويفعل بها ما يفعله الوهج الشديد، فأيقن الشاب أن الحاكم خنزر وزوجه من الأسرة الفرعونية لا محالة، على أنه رأى وجها آخر ليس بالجديد عليه، وهو وجه الرجل الذي تبع الأميرة وزوج الحاكم، فقد كان القاضي الذي حكم على إبانا بالأمس، وقد وضح له ما بينه وبين الحاكم من شبه قريب وما من شك في أن الأميرة والقاضي عرفاه كذلك، لأنهما ألقيا عليه نظرة ذات معنى، وكان الحاكم يجهل ما يحدث حوله من التعارف الصامت، فانحنى للأميرة وقال: تعالي يا صاحبة السمو انظري إلى أنفس ما حوت بطون الأرض وأغرب ما حمل سطحها، ودار على الصناديق المحملة بالأحجار الكريمة وأقفاص الحيوان وهودج زولو، فأقبلوا عليها في شغف ودهشة وإعجاب، ونال القزم قسطه من الإنكار والغرابة، وكان زوج الحاكم أكبرهم دهشة وإعجابا، وكانت مغرمة بالجواهر غراما يضرب به المثل، فأقبلت على صناديق العاج أيما إقبال، أما القاضي فتحول إلى إسفينيس وقال له: كنت بالأمس أسائل نفسي عن مصدر ثروتك، وقد عرفت اليوم كل شيء.
فقلب الحاكم وجهه فيهما، وقال لشقيقه: ماذا تعني أيها القاضي سنموت؟ .. هل عرفت هذا الشاب قبل الآن؟ - نعم يا سيدي الحاكم، رأيته بالأمس في المحكمة، والظاهر أنه عظيم الاعتداد بنفسه وبثروته، فقد تبرع بخمسين قطعة من الذهب لينقذ فلاحة متهمة بإهانة القائد رخ من السجن والجلد، فترى يا سيدي أن القائد أصيب في يوم واحد بفلاحة تتطاول عليه وبفلاح يتحدى غضبه.
فضحكت الأميرة أمنريدس ضحكة رقيقة ساخرة، وقالت وهي تلقي نظرة على وجه الشاب: وما وجه العجب في ذلك أيها القاضي سنموت؟ .. أليس من الطبيعي أن يشمر فلاح للدفاع عن فلاحة؟ - الحق يا مولاتي أن الفلاحين لا يقوون على شيء، ولكنه الذهب وسحره، وقد صدق من قال إنك إذا رغبت في أن تنتفع بالفلاح فأفقره ثم اضربه بالسوط.
أما الحاكم فكان بطبعه عظيم الإعجاب بأعمال الجسارة والبسالة، فقال: إن التاجر شاب جسور، وما اقتحامه حدود بلادنا إلا آية من آي شجاعته، مرحى .. مرحى .. ليته كان رجل قتال لأقاتله، فقد صدئ سيفي من طول انزوائه في غمده.
فقالت الأميرة أمنريدس بلهجتها الساخرة: كيف لا تأخذك به الرحمة أيها القاضي سنموت وهو يدينني؟ - أتقولين يدينك يا صاحبة السمو؟ .. يا لها من كلمة!
وضحكت من دهشة الحاكم، وقصت عليه كيف رأت القافلة، وكيف جذبها زولو إلى السفينة حيث انتقت العقد الجميل، وكانت تروي قصتها بلهجة دلت على ما تتمتع به من حرية وجسارة، وميل إلى السخرية والفكاهة، فزالت دهشة الحاكم خنزر، وقال لها مداعبا: لماذا اخترت قلبا أخضر يا صاحبة السمو؟ .. فإنا نعلم معنى القلب الأبيض والقلب الأسود، ولكن ما معنى القلب الأخضر؟
فقالت الأميرة ضاحكة: وجه سؤالك إلى بائع القلب؟
وكان إسفينيس صامتا منصتا تعلوه الكآبة؛ فقال: القلب الأخضر يا صاحبة العظمة رمز الخصب والحنان!
Bilinmeyen sayfa