وراقت الدعوة إسفينيس الذي كان يرغب في الاختلاط ببني جلدته، وكانت شهامة الشاب وجماله يجذبانه إليه، فقال: إننا نقبل هذه الدعوة ببالغ السرور.
وابتهج الشاب كما ابتهجت أمه، ولكنها قالت: أرجو المعذرة لأنكما لن تجدا كوخنا يليق بمقامكما الرفيع.
فقال لاتو بلباقة: إن في صاحبي الكوخ غنى عن كل شيء، ومع هذا فنحن تجار متعودون شظف العيش ووعثاء الطريق.
ثم ساروا جميعا يشملهم شعور واحد بالمودة، كأنهم أصدقاء من عهد قديم، وفي أثناء الطريق قال إسفينيس لابن إبانا: كيف ندعوك يا صاحبي؟ أما أنا فإسفينيس، وأما صاحبي فيدعى لاتو.
فحنى الشاب رأسه إكراما، مبتسما وقال: ادعوني أحمس.
فخيل إلى إسفينيس كأن أحدا يناديه، ونظر إلى الشاب نظرة غريبة!
وبلغوا الكوخ بعد مسير نصف ساعة، وكان ساذجا كأكواخ الصيادين، يتكون من ردهة خارجية وحجرتين صغيرتين متداخلتين، ولكنه كان على سذاجة أثاثه وفقره الواضح نظيفا حسن الترتيب، فجلس أحمس وضيفاه في الردهة، وفتحا الباب على مصراعيه ليخلص لهم نسيم النيل ومنظره؛ على حين ذهبت إبانا لتعد الشراب، ولبثوا هنيهة صامتين يتبادلون النظرات، ثم قال أحمس بعد تردد: إنه من العجب أن يجد الإنسان مصريين في مثل مظهركما الوجيه، فكيف ترككما الرعاة تثريان ولستما من صنائعهم؟
فقال إسفينيس: نحن من مصريي النوبة، ودخلنا طيبة اليوم.
فصفق الشاب بيديه دهشة وسرورا، وقال: النوبة .. لقد فر إليها كثيرون في أثناء غزو الرعاة لبلادنا، فهل أنتما من المهاجرين؟
وكان لاتو بطبعه شديد الحذر، فقال بسرعة قبل أن يجيب إسفينيس: بل نحن من الذين هاجروا قبل ذلك للتجارة! - وكيف استطعتما الدخول إلى مصر، وقد أغلق الرعاة الحدود؟
Bilinmeyen sayfa