وما لبث أن ظهر رأس القزم من الكوة، وتبعه جسمه، ثم أقبل على صاحبه، فأخذه من يده إلى حيث تقف الأميرة وجواريها، وكان يسير ملقيا بصدره إلى الأمام في خيلاء مضحكة، وبرأسه الكبير إلى الوراء، ولا يزيد طوله على أربعة أشبار؛ أما لونه فشديد السواد، وأما ساقاه فمقوستان، قال له إسفينيس: حي مولاتك يا زولو.
فانحنى القزم حتى مس شعره المفلفل الأرض، فاطمأنت الأميرة وسألت وعيناها لا تفارقان القزم: أحيوان هو أم إنسان؟ - هو إنسان يا صاحبة السمو. - ولماذا لا نعده حيوانا؟ - له لغته ودينه. - يا عجبا، وهل يوجد مثله كثيرون؟ - نعم يا مولاتي، إنه ينتمي إلى شعب وافر العدد، فيهم نساء ورجال وأطفال ولهم ملك وسهام مسمومة يسددونها نحو الحيوان المفترس والإنسان المغير؛ ولكن قوم زولو يأنسون إلى الناس سريعا ويخلصون المودة لمن يصادرهم، ويتبعونه كالكلب الأمين.
فهزت رأسها المكلل بخصلات الذهب عجبا، وافتر ثغرها عن در نضيد، وتساءلت: وأين يعيش قوم زولو؟ - في أقاصي غابات النوبة، حيث يرقد النيل المعبود. - دعه يحدثني إن استطعت. - إنه لا يستطيع أن يتكلم لغتنا، وقصارى جهده أن يفهم بعض الأوامر، ولكنه سيحيي مولاته بلغته.
وقال إسفينيس للقزم: ادع لمولاتك دعاء طيبا.
فاهتزت رأس القزم الكبير كأنه يرعش، ثم نطق بكلمات غريبة بصوت أدنى إلى الخوار، فلم تملك الأميرة إلا أن تضحك ضحكة عذبة، ثم قالت: حقا إنه غريب، ولكنه قبيح لا يسرني أن أقتنيه!
فبدا الأسف على وجه الشاب، وقال بلباقة التاجر الماكر: ليس زولو يا صاحبة السمو خير ما في قافلتي .. إليك دررا تفتن النفوس وتسلب الألباب.
فتحولت في استهانة عن زولو إلى المتباهي بنفائسه، وألقت عليه نظرة فاحصة لأول مرة، فهالها طوله الفارع ونضارة شبابه، وعجبت أن يكون هذا المظهر لتاجر من عامة الشعب، وسألته: هل لديك حقا حلي تستحق الإعجاب؟ - نعم يا مولاتي. - إذن أرني عينة .. أمثلة مما عندك.
وصفق إسفينيس، فجاءه عبد فألقى إليه كلمات بصوت خافت، فغاب الرجل هنيهة، ثم عاد يحمل صندوقا من العاج بمعاونة رجل آخر، فوضعاه أمام الأميرة وفتحاه، وتنحيا جانبا. ونظرت الأميرة في داخل الصندوق، واشرأبت أعناق الجواري، فرأت ما يسر القلب من لآلئ لامعة، وأقراط وأساور، وتفحصتها بعين واعية، ثم مدت يدها البضة الرخصة إلى عقد آية في السذاجة والكمال، قلب من الزمرد في سلسلة من خالص الذهب، وأمسكت القلب بأناملها وتمتمت: من أين لك بهذا الحجر النفيس؟ .. ليس في مصر نظيره؟
فقال الشاب بابتهاج: إنه درة من كنوز النوبة.
فتمتمت قائلة: النوبة .. بلاد زولو .. ما أجمله!
Bilinmeyen sayfa