بأن جعل أرضه كلها مسجدا لعبادة المسلمين إلا أن هؤلاء تلاميذ صغار، وقد يصيبهم البلاط بالبرد. - لا بد أن تصبح محاميا يا منصور، ولو أنك غير محتاج لهذه المرافعة كلها لتكسب القضية؛ فإنك قد كسبتها منذ أبديت رغبتك. والمال مالك، وما أنا إلا حارس عليه، وتوكلنا على الله. - بل انتظر يا جدي حتى أكلم ناظر المدرسة. - وهو كذلك.
وفي اليوم التالي ذهب منصور فاستأذن أن يرى حضرة الناظر الأستاذ وجدي عبد العال. - إننا نريد أن نقيم مسجدا بالمدرسة. - الميزانية لا تسمح يا أستاذ منصور. - جدي سيقيم الجامع. - حقا! - نعم. - أين نبنيه؟ - في الفناء. أنا وإخواني وجدنا له مكانا مناسبا. - ولكن أيرضى التلاميذ أن نضيق عليهم الفناء؟ - هل لي يا حضرة الناظر أن أقترح اقتراحا؟ - قل. - إن الله يقول في كتابه العزيز:
وأمرهم شورى بينهم . اجعل التلاميذ يدلون برأيهم في عملية ديمقراطية، حتى يعرفوا أن الجامع بني برغبتهم ولم يفرض عليهم. - موافقون. ويشترك أيضا المدرسون في إعطاء الرأي. - وهو كذلك. - وهو كذلك.
وتم أخذ الرأي، فإذا هو إجماع لم يتخلف عنه المسيحيون من تلاميذ أو مدرسين، وكان المسجد صغيرا. وكانوا في أوائل السنة الدراسية، فصلى التلاميذ في الجامع قبل الامتحانات بشهرين. ورفض منصور أن يكون هو المسئول عن الجامع. - إن جدي هو الذي بناه. أكان بناه حتى أصبح أنا مسئولا عنه، وهل ترون أن أظل دائما أذكر زملائي أن جدي هو الذي بنى الجامع؟ - فماذا ترى؟ - تتكون لجنة وتنتخب رئيسا لها، ولن أكون أنا منها. - وكيف تتكون اللجنة؟ - بنفس الطريقة التي بني بها المسجد. - بالانتخاب؟ - ينتخب التلاميذ اللجنة، ثم تنتخب اللجنة رئيسا. أما أنا فلن أرشح نفسي. - ونعم الرأي. - وتمت عملية الانتخاب، وأسفرت عن انتخاب أمين عبد الصادق رئيسا للجنة الإشراف على المسجد. وقال أمين في أول اجتماع للجنة إن أباه متبرع بمصاريف المسجد من أجر الفراش إلى أجر المؤذن. أما الإمام فسيكون الشخص الذي كان يؤمنا دائما، منصور النقيب؛ فهو أحفظنا للقرآن.
وقال وهبي عبد المجيد، عضو اللجنة: طبعا إلا في أيام الجمع؛ فقد يأتي إلى الجامع من هم أكبر منه سنا ومن حفظة القرآن أيضا.
وقال أمين: أحسنت يا وهبي، وسنتفق مع عالم جليل ليأتي إلينا في أيام الجمع يؤمنا ويلقي علينا دروسا دينية أيضا.
وهكذا استقر الشأن، وأصبحت قصته دائرة على كل لسان، حتى لقد كتبت عنه الأهرام مشيدة بما قام به التلاميذ والمدرسون وأهل الخير الذي شاركوه في أمره. •••
من بين مدرسي المدرسة عبد العزيز المشد، يمتلك قلما غالي الثمن، يتباهى به على زملائه وتلامذته على السواء. وهو حريص في كل حصة أن يأمر التلاميذ بحل مسائل الحساب ليخرج هو القلم ويكتب به أي شيء ليراه التلاميذ في يده؛ فهو أحيانا يكتب في كراسة التحضير أو يكتب به خطابات، لو رآه مفتش يكتبها لوجه إليه اللوم الشديد؛ فخطابات الأقارب والأصدقاء ليس مكانها فصول الدراسة.
وإن كان ذلك ممنوعا على التلاميذ، فمنعه على المدرسين من باب أولى؛ فالمفروض أن يكون المدرسون للتلاميذ قدوة، ولكن عبد العزيز المشد معذور فيما يفعل؛ فكيف له أن يظهر القلم ويتباهى به إن لم يكتب في كراسة التحضير أو يكتب به الخطابات؟ وكلاهما ممنوع أثناء الحصص؛ فالكتابة بالقلم على السبورة مستحيلة. وإذا أخرج القلم وتباهى به دون أن يستعمله فسيصبح بين التلاميذ أضحوكة. على أن التلاميذ - على كل حال - لا يفوتهم شيء؛ فقد أدركوا بحواسهم الساخرة ما يريد الأستاذ عبد العزيز أن يظهره من مفاتن قلمه الذي يتصور أن أحدا غيره لا يملك مثلا له في الوجود.
وفي يوم بينما الأستاذ عبد العزيز يكتب بالقلم فتح باب الفصل ودخل مفتش الرياضة، وفوجئ به الأستاذ عبد العزيز، وتولاه الهلع والذعر في وقت معا. ووضع القلم على المنضدة دون أن يعنى حتى بوضع السن في غطائه. مع أنه في الأحوال العادية يحرص كل الحرص على إحكام الغطاء إحكاما يستوثق معه أن القلم لن يفتح في جيبه.
Bilinmeyen sayfa