Khushu' in Prayer in the Light of the Quran and Sunnah
الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة
Yayıncı
مطبعة سفير
Yayın Yeri
الرياض
Türler
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الخشوع في الصلاة
في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم، وفروق، وفضائل، وعلم، وعمل، وفوائد، وأسباب، وآداب، وأحكام
الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Bilinmeyen sayfa
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مُفصَّلة في «الخشوع في الصلاة» ذكرت فيها واحدًا وعشرين مبحثًا، وذكرت في المبحث الحادي والعشرين ثلاثة وخمسين سببًا من الأسباب التي تزيل الغفلة، وتجلب الخشوع في الصلاة، وهذه المباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: ... مفهوم الخشوع: لغة وشرعًا.
المبحث الثاني: ... الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق.
المبحث الثالث: ... الخشوع في الصلاة: علم نافع وعمل صالح.
المبحث الرابع: ... فضائل الخشوع لله تعالى في الصلاة.
المبحث الخامس: ... الفرق بين الخشوع، والوجل، والقنوت، والسكينة، والإخبات، والطمأنينة.
المبحث السادس: ... حكم الخشوع في الصلاة.
المبحث السابع: ... منزلة الخشوع في الصلاة.
المبحث الثامن: ... حكم الوسوسة في الصلاة.
المبحث التاسع: ... الخشوع في الصلاة من إقامتها.
المبحث العاشر: ... التحذير من ترك الخشوع في الصلاة.
1 / 3
المبحث الحادي عشر: ... الصلاة بخشوع قرةٌ للعين وراحةٌ للقلب.
المبحث الثاني عشر: ... مشاهد الصلاة التي تقرُّ بها العين.
المبحث الثالث عشر: ... أقسام الناس في الخشوع في الصلاة.
المبحث الرابع عشر: ... خشوع النبي ﷺ في صلاته.
المبحث الخامس عشر: ... خشوع الصحابة ﵃ في صلاتهم.
المبحث السادس عشر: ... خشوع التابعين وأتباعهم في صلاتهم.
المبحث السابع عشر: ... الخشوع في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها.
المبحث الثامن عشر: ... درجات الخشوع في الصلاة.
المبحث التاسع عشر: ... فوائد الخشوع في الصلاة.
المبحث العشرون: ... الخشوع يثمر التلذذ بطعم الصلاة.
المبحث الحادي والعشرون: ... ما يزيل الغفلة، ويجلب الخشوع في الصلاة.
وتحته ثلاثة وخمسون سببًا من أسباب الخشوع في الصلاة، وهي على النحو الآتي:
السبب الأول: ... معرفة الله تعالى.
السبب الثاني: ... علاج قسوة القلب.
السبب الثالث: ... الابتعاد عن الوسوسة.
السبب الرابع: ... متابعة المؤذن من الأمور التي تجلب الخشوع في الصلاة.
السبب الخامس: ... العمل بآداب المشي إلى الصلاة من أعظم ما يجلب الخشوع.
السبب السادس: ... عدم الالتفات لغير حاجة.
السبب السابع: ... عدم رفع البصر إلى السماء.
السبب الثامن: ... عدم افتراش الذراعين في السجود.
السبب التاسع: ... عدم التَّخصُّر.
السبب العاشر: ... عدم النظر إلى ما يُلهي ويشغل.
1 / 4
السبب الحادي عشر: ... عدم الصلاة إلى ما يشغل ويُلهي.
السبب الثاني عشر: ... عدم الإقعاء المذموم.
السبب الثالث عشر: ... عدم عبث المصلي بجوارحه.
السبب الرابع عشر: ... عدم تشبيك الأصابع، وفرقعتها في الصلاة.
السبب الخامس عشر: ... عدم الصلاة بحضرة الطعام.
السبب السادس عشر: ... عدم مدافعة الأخبثين [البول والغائط].
السبب السابع عشر: ... عدم بصاق المصلي أمامه، أو عن يمينه في الصلاة.
السبب الثامن عشر: ... عدم كف الشعر أو الثوب في الصلاة.
السبب التاسع عشر: ... عدم عقص الرأس في الصلاة.
السبب العشرون: ... عدم تغطية الفم في الصلاة.
السبب الحادي والعشرون: ... عدم السدل في الصلاة.
السبب الثاني والعشرون: ... عدم تخصيص مكان من المسجد للصلاة.
السبب الثالث والعشرون: ... عدم الاعتماد على اليد في الجلوس في الصلاة.
السبب الرابع والعشرون: ... عدم التثاؤب في الصلاة.
السبب الخامس والعشرون: ... عدم الركوع قبل أن يصل إلى الصف.
السبب السادس والعشرون: ... عدم الصلاة في المسجد لمن أكل البصل والثوم.
السبب السابع والعشرون: ... عدم صلاة النفل عند مغالبة النوم.
السبب الثامن والعشرون: ... الصلاة إلى سترة، والدنوِّ منها.
السبب التاسع والعشرون: ... وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر.
السبب الثلاثون: ... الإشارة بالسبابة، وتحريكها في الدعاء في التشهد.
السبب الحادي والثلاثون: ... النظر إلى موضع السجود، وإلى السبابة.
السبب الثاني والثلاثون: ... العلم بأنَّ المصلِّي يدعو الله ويخاطبه، وأن الله يرَدّ عليه.
السبب الثالث والثلاثون: ... الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
1 / 5
السبب الرابع والثلاثون: ... تدبّر القرآن في الصلاة يجلب الخشوع، ويطرد الغفلة.
السبب الخامس والثلاثون: ... تحسين القراءة بالقرآن وترتيله.
السبب السادس والثلاثون: ... سجود التلاوة في الصلاة.
السبب السابع والثلاثون: ... المحافظة على سنن الصلاة: القولية والفعلية.
السبب الثامن والثلاثون: ... ذكر الموت في الصلاة.
السبب التاسع والثلاثون: ... الحذر من الغفلة.
السبب الأربعون: ... الاستجابة لله ولرسوله، مع العلم أن الله يحول بين العبد وقلبه.
السبب الحادي والأربعون: ... سؤال الله تعالى الخشوع في الصلاة.
السبب الثاني والأربعون: ... العلم بأن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل منها.
السبب الثالث والأربعون: ... معرفة خشوع النبي ﷺ في صلاته.
السبب الرابع والأربعون: ... معرفة خشوع الصحابة والتابعين وأتباعهم ﵏.
السبب الخامس والأربعون: ... العلم بما ثبت في التحذير من ترك الخشوع، وما ثبت من الترغيب في الخشوع.
السبب السادس والأربعون: ... فهمُ وتدبُّر معاني أفعال الصلاة يجلب الخشوع فيها.
السبب السابع والأربعون: ... فهم وتدبُّر معاني أقوال الصلاة.
السبب الثامن والأربعون: ... التنويع في الاستفتاح، والقراءة، والأذكار في الصلاة.
السبب التاسع والأربعون: ... الاجتهاد في الدعاء في مواضعه في الصلاة.
السبب الخمسون: ... إحسان الطهور، وإكماله.
السبب الحادي والخمسون: ... المحافظة على صفة الصلاة الكاملة من كل وجه.
السبب الثاني والخمسون: ... المحافظة على الأذكار أدبار الصلوات المفروضة.
السبب الثالث والخمسون: ... المحافظة على السنن الرواتب قبل الفريضة وبعدها.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى.
1 / 6
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل: خالصًا لوجهه الكريم، مباركًا، نافعًا لي في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، وأن يجعله حجةً لنا، لا حجَّةً علينا؛ فإنه تعالى أكرم مسؤول، وأحسن مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد ظهر يوم السبت ٢٠/ ٦/١٤٣٠هـ
1 / 7
المبحث الأول: مفهوم الخشوع: لغة وشرعًا
أولًا: الخشوع لغة: قال ابن فارس ﵀: «خشع: الخاء والشين والعين أصلٌ واحدٌ، يدل على التَّطامُن، يقال: خشع إذا تطامن وطأطأ رأسه، ويخشع خشوعًا، وهو قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في
البدن ... والخشوع في الصوت والبصر، قال الله تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ (١)، قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والراكع ...» (٢).
وقال ابن منظور ﵀: «خشع يخشع خشوعًا، واختشع وتخشَّع: رمى ببصره نحو الأرض، وغضّه، وخفض صوته .. وقيل: الخشوع قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن ... والخشوع: في البدن، والصوت، والبصر، كقوله تعالى: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ (٣)، أي: سكنت، وكل ساكن خاضع خاشع ...» (٤).
وقال الفيروزأبادي ﵀: «الخشوع: الخضوع، كالاختشاع - والفعل كمنع - أو قريب من الخضوع، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر، والخشوع: السكون والتذلل ...» (٥).
_________
(١) سورة القلم، الآية: ٤٣.
(٢) معجم المقاييس في اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس، المتوفى سنة ٣٩٥هـ، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١٥هـ، كتاب الخاء، باب الخاء والشين ...، ص ٣١٦.
(٣) سورة طه، الآية: ١٠٨.
(٤) لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، ت ٦٣٠، باب الخاء والشين ...، ص ٣١٦.
(٥) القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزأبادي، ت ٨١٧هـ، باب العين، فصل الخاء، ص ٩٢١.
1 / 8
وقال محمد بن أبي بكر الرازي ﵀: «الخشوع: الخضوع، وبابهما واحد، يقال: خشع واختشع، وخشع ببصره: أي غضه ... والتخشُّع: تكلّف الخشوع ...» (١).
وقال الفيُّومي ﵀: «خشع خشوعًا: إذا خضع، وخشع في صلاته ودعائه: أقبل بقلبه على ذلك، وهو مأخوذ من خشعت الأرض، إذا سكنت واطمأنت» (٢).
وقال أبوالسعادات ابن الأثير ﵀: «... والخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن» (٣).
وقال الراغب الأصفهاني: «الخشوع الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ...» (٤).
وقال الجرجاني ﵀: «الخشوع، والخضوع، والتواضع: بمعنى واحد ...» (٥).
وقال الإمام ابن القيم ﵀: «والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض، والذّل، والسكون، قال اللَّهُ تعالى: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ
_________
(١) مختار الصحاح للرازي، مادة: (خشع) ص ٧٤.
(٢) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيُّومي، مادة «خشع» ١/ ١٧٠.
(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الخاء مع الشين، ٢/ ٣٤.
(٤) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، مادة: «خشع» ص ٢٨٣.
(٥) التعريفات للجرجاني، ص ١٣٢ فصل الشين.
1 / 9
لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ (١)، أي سكنت، وذلَّت، وخضعت، ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها، وانخفاضها، وعدم ارتفاعها بالري والنبات، قال اللَّه تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٢) (٣).
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ (٤)، وقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ (٥)، وقال سبحانه: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ (٦)، وقال ﷿: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ (٧). وقال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ (٨).
وهذا المعنى الذي دار في هذه الآيات: يدلُّ على الخضوع، والسكون، والتذلُّل لجميع الأعضاء كلها.
ثانيًا: الخشوع اصطلاحًا: قال الجرجاني ﵀: «الخشوع ... في
_________
(١) سورة طه، الآية: ١٠٨.
(٢) سورة فصلت، الآية: ٣٩.
(٣) مدارج السالكين، لابن القيم، ١/ ٥٢٠.
(٤) سورة القلم، الآية: ٤٣.
(٥) سورة الغاشية، الآية: ٢.
(٦) سورة القمر، الآية: ٧.
(٧) سورة النازعات، الآيات: ٨ - ١٠.
(٨) سورة الشورى، الآية: ٤٥.
1 / 10
اصطلاح أهل الحقيقة ... الانقياد للحق، وقيل: هو الخوف الدائم في القلب، قيل من علامات الخشوع: أن العبد إذا غضب أو خُولف أو رُدَّ عليه استقبل ذلك بالقبول» (١).
وقال الإمام ابن القيم ﵀: «الخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ ...» (٢).
وقيل: «الخشوع: الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع، فمن علامته: أن العبد إذا خولف ورُدَّ عليه بالحق، استقبل ذلك بالقبول والانقياد» (٣).
وقيل: «الخشوع تذلّل القلوب لعلاَّم الغيوب» (٤).
قال الإمام ابن القيم ﵀: «وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره» (٥).
وقال الإمام ابن رجب ﵀: «وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي ﷺ: «... ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ
_________
(١) التعريفات للجرجاني، فصل الشين، ص١٣٢.
(٢) مدارج السالكين، ١/ ٥٢١.
(٣) المرجع السابق: ١/ ٥٢١.
(٤) مدارج السالكين: ١/ ٥٢١.
(٥) المرجع السابق: ١/ ٥٢١.
1 / 11
الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ» (١).
فإذا خشع القلب خشع: السمع، والبصر، والرأس، والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها حتى الكلام؛ [و] لهذا كان النبي ﷺ يقول في ركوعه في الصلاة: «.. اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، ..» [«وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي»] (٢).
وقيل: الخشوع: الخضوع، والتواضع (٣).
وقال العلامة السعدي ﵀: «الخوف، والخشية، والخضوع، والإخبات، والوَجَل: معانيها متقاربة، فالخوف يمنع العبد من محارم الله، وتشاركه الخشية في ذلك، وتزيد أنَّ خوفه مقرون بمعرفة الله، وأما الخضوع، والإخبات، والوجل، فإنها تنشأ عن الخوف، والخشية، فيخضع العبد لله، ويخبت إلى ربه منيبًا إليه بقلبه، ويحدث له الوجل، وأما الخشوع، فهو حضور القلب وقت تلبّسه بطاعة الله، وسكون ظاهره وباطنه، فهذا خشوع خاص، وأما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواصّ المؤمنين، فينشأ من كمال معرفة العبد بربه، ومراقبته، فيستولي ذلك على القلب كما تستولي
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم ٥٢، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، برقم ١٥٩٩.
(٢) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم ٧٧١، وما بين المعقوفين من لفظ ابن خزيمة في صحيحه، برقم ٦٠٧، وابن حبان، برقم ١٩٠١.
(٣) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روّاس، ص١٧٣.
1 / 12
المحبة» (١).
والتعريف المختار: الخشوع: لين القلب، وخضوعه، ورقته، وسكونه، وحضوره وقت تَلبُّسه بطاعة الله، فتتبعه جميع الجوارح والأعضاء ظاهرًا وباطنًا؛ لأنها تابعة للقلب، وهو أميرها، وهي جنوده، والله تعالى أعلم.
_________
(١) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، ص ٣٦١ - ٣٦٢، دار عالم الكتب، ١٤٢٤هـ إشراف وتوزيع وزارة الشئون الإسلامية، المملكة العربية السعودية.
1 / 13
المبحث الثاني: الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق
إذا ظهرت آثار الخشوع على الجوارح، ولم يكن في القلب شيء منه، فهذا خشوع النفاق؛ ولهذا قال حذيفة ﵁: «إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع» (١).
قال الإمام ابن القيم ﵀: «وقال بعض العارفين: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ورأى بعضهم رجلًا خاشع المنكبين والبدن، فقال: يا فلان، الخشوع ها هنا - وأشار إلى صدره- لا ها هنا- وأشار إلى منكبيه-، ...» (٢)، ورأى عمر بن الخطاب ﵁ رجلًا طأطأ رقبته في الصلاة فقال: «يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب» (٣).
ورأت عائشة ﵂ شبابًا يمشون ويتماوتون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ قالوا نُسَّاك (أي عُبَّاد)، فقالت: «كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقًّا» (٤).
_________
(١) ذكره ابن القيم في مدارج السالكين، ١/ ٥٢١، وابن رجب في كتاب الخشوع في الصلاة، ص ١٣، وأخرجه الديلمي، في مسند الفردوس، ٢/ ٢٠٤، برقم ٣٠٠٧، وابن عدي، في الكامل في الضعفاء، ٣/ ٤٥٥، ترجمة رقم٨٧١.
(٢) ذكره ابن القيم في: مدارج السالكين، ١/ ٥٢١، والأثر في حلية الأولياء، ١٠/ ٢٣٠، واعتبره صاحب كتاب تكميل النفع، ص ١٢٣غير صحيح نسبته لعمر ﵁.
(٣) مدارج السالكين، ١/ ٥٢١، وأورده صاحب إحياء علوم الدين، ٥/ ٤١.
(٤) مدارج السالكين، ١/ ٥٢١، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح السماوي بتخريج أحاديث القاضي البيضاوي، ٢/ ٩١٦: «وَكَأَنَّهُ أَخذه من الْفَائِق»، وقال العجلوني في كشف الخفاء، ١/ ٤٥٢: «وهو في النهاية والفائق وغيرهما».
1 / 14
وقال الفضيل: «كان يُكْرَهُ أن يُرِيَ الرجلُ من الخشوع أكثر مما في قلبه» (١).
وقال حذيفة ﵁: «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبَّ مُصَلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة، فلا ترى فيهم خاشعًا» (٢).
وقال سهل: «من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان» (٣) (٤).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: «والفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق، أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم، والإجلال، والوقار، والمهابة، والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل، والخجل، والحب، والحياء، وشهود نعم الله وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح.
وأما خشوع النفاق، فيبدو على الجوارح تصنُّعًا وتكلُّفًا، والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعًا، والقلب غير خاشع، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته،
_________
(١) مدارج السالكين، ١/ ٥٢١، وذكره القشيري في رسالته الشهيرة، ص ٦٨.
(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ٧/ ١٤٠، برقم ٣٤٨٠٨، وحلية الأولياء، ١/ ٢٨١، وقال المناوي في فيض القدير، ٣/ ١١٤: «قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه ابن معين، والنسائي، ووثقه أحمد».
(٣) ذكره الثعالبي في تفسيره، ٣/ ٦٤ وعزاه لسهل التستري أيضًا، ومثله الفيروزأبادي في بصائر ذوي التمييز، ١/ ٧٢٢.
(٤) ذكر هذه الآثار ابن القيم في مدارج السالكين، ١/ ٥٢١ - ٥٢٢.
1 / 15
وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حُشِيَ به، وخمدت الجوارح، وتوقّر القلب، واطمأنّ إلى الله وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه، فصار مُخبِتًا له، والمخبت (١) المطمئنّ، فإن الخبت من الأرض ما اطمأنّ (٢) فاستنقع فيه الماء.
فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن (٣) كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، وعلامته أن يسجد بين يدي ربه - إجلالًا، وذُلًاّ، وانكسارًا بين يديه - سجدة، لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه ... فهذا خشوع الإيمان.
وأما التماوت، وخشوع النفاق، فهو حالُ عبدٍ تكلَّف إسكان الجوارح تَصنُّعًا، ومراعاة، ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات، وإرادات، فهو يتخشع (٤) في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة» (٥).
_________
(١) انظر: مفردات غريب القرآن للراغب، ص ١٤١.
(٢) وفي مخطوطة: (ما تطامن).
(٣) وفي بعض المخطوطات: (ما تطامن).
(٤) وفي مخطوطة: (متخشع).
(٥) كتاب الروح لابن القيم، تحقيق د. بسام علي سلامة العموش، الطبعة الأولى ١٤٠٦هـ، نشر دار ابن تيمية، المملكة العربية السعودية، الرياض، ٢/ ٦٩٤ - ٦٩٥.
1 / 16
المبحث الثالث: الخشوع لله في الصلاة علم نافع وعمل صالح
الخشوع علم نافع، وهو عمل صالح من أعمال القلوب، ويتبعها عمل الجوارح، للأحاديث الآتية:
١ - عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء ﵁ قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ» فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ﵁: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا، وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ؟! فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا! فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ (١) يَا زِيَادُ! إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟».
قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ النَّاسِ: الْخُشُوعُ؛ يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الجَامِعِ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا» (٢).
_________
(١) ثكلتك أمك: أي فقدتك، وأصله الدعاء بالموت، ثم يستعمل في التعجب. انظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري، ٧/ ٤١٣.
(٢) أخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في ذهاب العلم، برقم ٢٦٥٣، وقال: «هذا حديث حسن غريب»، والدرامي، ١/ ٧٥، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٣/ ٥٩، وأخرجه أيضًا أحمد في المسند من حديث جبير، عن عوف بن مالك، وساق الحديث بنحوه، برقم ٢٣٩٩٠، والنسائي في الكبرى، برقم ٥٨٧٨، وابن حبان، برقم ٤٥٧٢، ورقم ٦٧٢٠.
1 / 17
٢ - عن شداد بن أوس ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «أوَّلُ ما يُرْفَعُ مِنَ النّاسِ الخُشُوعُ» (١).
٣ - عن زيد بن أرقم ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال في دعائه: «... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» (٢).
وقلب لا يخشع: علمه لا ينفع، وصوته لا يسمع، ودعاؤه لا يرفع (٣).
قال الإمام ابن رجب ﵀: «فالعلم النافع هو ما باشر القلوب، فأوجب لها السكينة، والخشية، والإخبات لله، والتواضع، والانكسار، وإذا لم يباشر القلب ذلك من العلم، وإنما كان على اللسان، فهو حجة الله على ابن آدم يقوم على صاحبه، وغيره كما قال ابن مسعود ﵁: إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب يرسخ فيه نفع صاحبه.
وقال الحسن ﵀: العلم علمان: علم باللسان، وعلم
_________
(١) الطبراني في الكبير، برقم ٧١٨٣ مرفوعًا، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، ٢/ ١٣٦:
«.. وفيه عمران بن داوود القطان ضعفه ابن معين، والنسائي، ووثقه أحمد، وابن حبان» وقد جاء موقوفًا على شداد عند أحمد، برقم ٢٣٩٩٠، وصححه محققو المسند، وأخرج هذا الموقوف النسائي في الكبرى، برقم ٥٨٧٨،وابن حبان، برقم ٤٥٧٢،ورقم ٦٧٢٠، وله شاهد عن أبي الدرداء ﵁ أن النبي ﷺ،قال: «أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعًا» ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، ٢/ ١٣٦، وقال: «رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن». ثم حديث شداد لا يقال بالرأي والاجتهاد، فله حكم الرفع.
(٢) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في الأدعية، برقم ٢٧٢٢.
(٣) الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص ١٩.
1 / 18
بالقلب، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم» (١).
وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (٢)، وقال ﷿: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (٣).
ووصف اللَّه العلماء من أهل الكتاب قبلنا بالخشوع، فقال سبحانه: ﴿قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ (٤)، وقوله سبحانه في وصف هؤلاء الذين أوتوا العلم، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا: مدحٌ لمن أوجب له سماع كتاب الخشوع لله ﷿ في قلبه» (٥).
_________
(١) الخشوع في الصلاة لابن رجب ص ١٦. وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية، ١/ ٨٣ مرفوعًا، وقال هذا حديث لا يصح، وضعفه الألباني في تخريج كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص ٢٤.
(٢) سورة فاطر، الآية: ٢٨.
(٣) سورة الزمر، الآية: ٩.
(٤) سورة الإسراء، الآيات: ١٠٧ - ١٠٩.
(٥) الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص١٧.
1 / 19
المبحث الرابع: فضائل الخشوع لله تعالى في الصلاة:
ثبت في الخشوع في الصلاة فضائل كثيرة، منها الفضائل الآتية:
١ - من فرَّغ قلبه لله تعالى في صلاته انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه؛ لحديث عمرو بن عبسة السُّلمي ﵁ الطويل، وفيه أن النبي ﷺ قال بعد أن ذكر فضائل الوضوء: «.... فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ..» وذكر عمرو بن عبسة ﵁ أنه سمع هذا من النبي ﷺ أكثر من سبع مرات (١).
٢ - من صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسَه غفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث عثمان ﵁، أنه حين توضأ وضوءًا كاملًا قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (٢).
٣ - من صلَّى صلاةً مكتوبةً فأحسن خشوعها كانت كفّارةً لما قبلها من الذنوب؛ لحديث عثمان ﵁ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ
_________
(١) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة، برقم ٨٣٢، وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة، فليراجعه من شاء.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء، برقم ١٦٤، ومسلم كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء، برقم ٢٢٦.
1 / 20
يأْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» (١).
٤ - من صَلَّى ركعتين مقبلًا عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر ﵁، أنه سمع النبي ﷺ يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (٢).
٥ - الفوز والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة للخاشعين في صلاتهم، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (٣).
والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرًا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقلُّ التفاته، متأدِّبًا بين يدي ربه، مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الرديئة، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها، ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابًا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها (٤).
٦ - المغفرة والأجر العظيم للخاشعين؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ
_________
(١) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، برقم ٢٢٨.
(٢) مسلم كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم ٢٣٤.
(٣) سورة المؤمنون، الآيتان: ١ - ٢.
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص ٥٤٧.
1 / 21