Irak Tarihinin Özeti: Başlangıcından Günümüze
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Türler
مؤسسهم في بغداد، إلى أن قتلوا على يد علي رضا باشا، فإنهم ارتكبوا من الموبقات والفظائع ما تقشعر لها الأجسام، اللهم إلا في أيام داود باشا، فإنه وإن كان قد خرج على السلطان واستقل بالملك فإنه لم يأت إلا الحسنات والمكرمات؛ فلقد أبقى له من الذكر الطيب إلى يومنا هذا ما يخلد اسمه بين الذين سعوا إلى إنهاض المدينة إلى أوج الرقي والعمران.
فقد كان داود باشا كرجيا نصرانيا، ولد في تفليس في نحو سنة 1190 / 1776 فأتي به إلى بغداد أسيرا، فاشتراه والي بغداد يومئذ سليمان باشا، وكان الصبي مفرط الذكاء، فأولع بالعلوم فقرأها على كبار علماء الزوراء فحصل منها العقلية والنقلية، المنطوق والمفهوم. ثم تنقل في المناصب حتى صار دفتر دار بغداد، ثم فر من الحاضرة في عهد سعيد باشا بن سليمان باشا المذكور، ثم رجع إلى بغداد، ولما قتل سعيد باشا وولي داود العراق، وكانت الولاة يومئذ مستبدين بحكمهم مستقلين بإدارتهم لبعد الشقة بين الزوراء وفروق، فلما قتل علي رضا باشا المماليك أرسل داود باشا إلى الأستانة، فنفاه السلطان محمود إلى بعض البلاد، ثم عفا عنه وأرسله إلى المدينة شيخا للحرمين، حتى توفي فيها سنة 1267 / 1851. وعمر داود باشا في بغداد عدة مساجد وجوامع وأسواق، إلا أنه كان لا يحجم عن القتل سياسة، ولا عن مصادرة بعض المثرين، وبالجملة: كان عالم الوزراء، ووزير العلماء.
وبعد قتل المماليك ونفي داود باشا لم يجسر أحد من الولاة أن يعصي السلطان، فتعاقب الولاة على بغداد ومدن العراق بدون أن يفيدوها بفائدة تذكر، بل كان أعظم همهم جمع الأموال ومصادرة الأغنياء وضرب الضرائب العظيمة، مما أضعف سكان هذه الديار ضعفا شديدا. وسبب جمع هذه الأموال أن الولاة كانوا يشترون وظيفتهم بالمال من السلاطين، فكانوا يتعهدون بدفع المبلغ الفلاني قبل الذهاب إلى أم العراق. ولهذا كان أول شيء يأتيه الوالي عند قدومه بغداد أن يجمع من المبالغ ما يتمكن منها في أسرع وقت؛ لأنه لا يعلم المدة التي يقيم فيها قبل أن يعزل، فكان من أعظم همومه أن يستوفي أولا المبلغ الذي سلمه إلى الوزارة الداخلية، ثم ادخار مبالغ طائلة ليشتري بها وظيفة أو لقبا أو رتبة مما يطمح إليه، فكانت الأموال تنقل من العراق إلى الأستانة بدون أن تعمر بلادهم أو تصلح، ولهذا كانت البلاد في تأخر دائم حتى جاءها مدحت باشا سنة 1285 / 1868، وأقام في بغداد ثلاث سنوات وثلاثة أسابيع، فأدخل في المدينة وفي ديار العراق من الإصلاحات شيئا وافرا؛ فقد بنى الثكنة (القشلة) العسكرية، ودار الشفاء للغرباء (وهي اليوم المستشفى الملكي الواقع في الكرخ)، ومدرستين رشديتين إحداهما في الرصافة والأخرى في الكرخ، وجلب منضحة عظيمة بخارية لتستقي الماء من دجلة، فتوزعه على المدينة بواسطة أنابيب من حديد، لكنه لم يتمكن من إتمام شغله لعزله عن بغداد. وهو الذي جلب أيضا مطبعة كبيرة بخارية لطبع الكتب، وأنشأ فيها جريدة رسمية سماها «الزوراء»، بقيت تصدر إلى أيام خروج الأتراك من هذه المدينة، وكانت تصدر باللغتين، التركية والعربية. فلما كان عهد جمعية الاتحاد والترقي أبرزوها تركية صرفة. وأسس مدرسة للصنائع، وأوقف عليها الأوقاف الجزيلة، وبقيت سائرة في وجهها إلى آخر يوم من أيام الأتراك، وكان قد جعل في جانب منها المنضحة البخارية التي كان يصنع فيها الثلج أيام الصيف. وهو الذي جلب إلى العسكر طائفة تامة من الآلات الموسيقية العسكرية، فكانت تعزف في النهار ثلاث مرار، وهو الذي أنشأ معملا لنسج الثياب الصوفية للجند، وهو المعمل المشهور هنا باسم «العباخانة».
والخلاصة: أتى مدحت باشا من الأعمال في مدة ولايته الوجيزة ما لم يضارعه فيها جميع الولاة معا الذين جاءوا من بعده، فإنهم أضروا أكثر مما نفعوا؛ لأنه هو وحده لم يرتش، ولم يقبل أن تعطى الرشوة لأحد، لإفسادها الموظف، وإكراهه على أن يسلك مسلكا منافيا للسنن المشروعة وللوجدان.
هذه كانت حال ديار العراق في القرن التاسع عشر؛ أي إن البلاد لم تر في مدة مائة سنة سوى رجلين يصح أن يطلق عليهما هذا الاسم، وكان الإفرنج الذين قدموا هذه الديار للتجارة يرون هذه البلاد وما هي عليه من التأخر والانحطاط، ويأسفون على الحالة التي صارت إليها بعد أن بلغت ذلك المبلغ من الرقي والسمو، وكانوا يطلعون سفراءهم على ما يجري فيها، وعلى ما تصير إليه إذا ما عني أرباب الحل والعقد بترقية الزراعة، وفتح الطرق، ومد السكك الحديدية، وكانت الحكومة العثمانية تعد المواعيد الطيبة ولا تأتي أمرا مذكورا.
وكانت الدولة البريطانية تحب دائما إعمار العراق وترقيته، وجمع كلمة أهاليه وضم شتاتهم؛ لما بين العراق والدولة البريطانية من التآلف والتقارب والتضافر التي وجدت بين الإنكليز وأبناء العرب منذ قرون متطاولة وأجيال متتالية تناقلت تلك الشواعر الطيبة. وهناك سبب آخر، وهو مجاورة العراق للهند، وارتباطهما بربط التجارة العريقة في القدم. وهذه العرى زادت استحكاما عند ازدياد التجارة وتوسعها، وتيسر شئون نقلياتها، وهذه الأمور لم تكن تتم لو لم تتخذ الوسائل المروجة لأمور النقل بين بريطانية العظمى وبلاد الهند، فسهلت بذلك النقليات من الهند إلى العراق. والدولة العثمانية عرفت أيضا أن حياة هذه الديار متوقفة على اتصالها بالهند؛ ولذا أذنت في إقامة عامل إنكليزي في البصرة منذ سنة 1764، ثم بعد ذلك بقليل نظمت الدولة البريطانية المذكورة بريدا بين البصرة وحلب، فكان ذلك نعمة من أكبر النعم لأهالي البلاد، فحينئذ أقامت الحكومة العثمانية بريدا يصل بغداد الزوراء بدمشق الفيحاء، فلم تر الدولة الإنكليزية بعد ذلك حاجة إلى إبقاء بريدها البري، فاعتاضت عنه بالبريد البحري، وبقي جاريا إلى سنة 1912. أما القنصل البريطاني في بغداد فإنه بدأ بالإقامة في دار الإمارة العباسية في سنة 1798، وخوله السلطان من الامتيازات ما لم يخولها لغيره من القناصل الأجانب الذين كانوا قد أقيموا في العهد الأخير.
أما المواصلة بين الهند والبصرة على طريق خليج فارس برعاية الدولة البريطانية فيرتقي إلى العقد الأول من المائة الثامنة عشرة ميلادية. أخذت الدولة المذكورة على عهدتها إنارة الخليج وتطهيره من لصوص البحر وغزاته، وكانوا يعيثون فيه عيث الذئاب في الغنم، وكان من أعظم أعمالهم إبطال النخاسة (أي بيع الرقيق)، فكان إبطالها من المجد الذي خلد في الخليج حسن أعمال إنكلترة. وفي سنة 1835 زار البلاد ضابط إنكليزي وفحص الفراتين، وفي سنة 1861 وفقت شركة إنكليزية فخولت حق تسيير باخرة على النهرين المذكورين. ومما يجب أن يلاحظ أنه لم يرسم لجزء من هذه البلاد العراقية خريطة من الخرائط كالواجب ما عدا ما خط في سنة 1835، وبقي هذا الأمر الجليل مهملا إلى مجيء الجيش البريطاني حينما احتل البصرة في تشرين الأول سنة 1914.
فلما رأى العراقيون أن الإنكليز وحدهم يعنون هذه العناية العظيمة ببلادهم، ولم تجارهم في ذلك دولة من الدول الإفرنجية، وهي لم تنقطع من أن تبذل المبالغ الطائلة في سبيل نفعهم، وتفرغ ما في وسعها لتحسين شئونهم العمرانية والأدبية والتجارية، تحققوا أن بريطانية العظمى هي الدولة الوحيدة المستعدة لأن تعاونهم في أمورهم، وكان قد عرض شيوخ البلاد وأكابرهم مرارا لا تحصى على القنصل البريطاني أن يحمل دولته على أن تأخذ هذه البلاد تحت أجنحة حمايتها، لكن لما كانت سلطانة البحار في صداقة موثقة العرى مع السلطنة العثمانية كان يضطر المقيم البريطاني إلى أن يصرف أولئك الرجال بالتي هي أحسن.
ومما بغض الحكومة المحلية في عيون الأهالي ، أن جمعية الاتحاد والترقي التي قلبت عبد الحميد عن عرشه، أخذت تظهر مكنونات نياتها وعزائمها، وهي: تتريك العناصر غير التركية، وإجبار الأهالي على اتخاذ اللغة التركية لغة رسمية في المحاكم، ولغة علمية وأدبية في المدارس، وإبعاد الوطنيين عن الوظائف الكبيرة، وتقليدها للأتراك وحدهم أو لمحبيهم ممن يتظاهر بالتترك أكثر من الأتراك أنفسهم. وكان في عزمهم القبض على أموال جميع ولا سيما الأوقاف على أوقاف المسلمين؛ ليخصصوها بمدارسهم التركية. وكانوا قد بدءوا بإخراج هذه العزائم من حيز الخيال إلى عالم الوجود قبل الحرب بنحو ثلاث سنوات. ومما كانوا قد صمموا عليه تصميما لا مرجع عنه: هدم قواعد الدين الإسلامي بما نشروه وكانوا ينشرونه من الكتب والرسائل، وبثها بين الطلبة وموظفي الحكومة، وتكريه الناس للعرب وأنبيائهم وأوليائهم وكتبهم المقدسة وعلمائهم وأدبائهم. ومما شرعوا به قبل الحرب العامة المذكورة: أنهم أخذوا يهملون ترميم المساجد والجوامع وتعميرها، وكانوا إذا رأوا أحد أتقياء المسلمين يحاول ترميم مسجد أو تعميره، أقاموا في وجهه الموانع، أو اضطهدوه ليعدل عن فكره، فكان يعدل عنه إذا فهم السبب. وبالجملة: كان العرب يتجرعون الغصص ولا يمكنهم أن ينطقوا بكلمة؛ خوفا من أذية الاتحاديين الذين كان قد عظم أمرهم وتفاقم شرهم، وكانوا في كل ذلك يعملون بمشيئة الألمان الذين أصبح نفوذهم في البلاد العثمانية مما لا ينكر، لا سيما من بعد أن حصلوا على امتيازات مد السكك الحديدية في ربوع الأناضول والعراق.
هذا كله يريك أن العرب كانوا نافرين من سوء معاملة الأتراك لهم، وكان التورانيون يرون أن أبناء اللغة الضادية لا يوافقونهم في أفكارهم، بل يعارضونهم في كثير من خططهم وأفكارهم؛ ولهذا عزم الأتراك أن يبعدوهم من عضوية مجلس المبعوثين ومجلس الشيوخ أو الأعيان، فشرعوا بأن يقربوا من المجلسين كل عربي نزع عنه أخلاقه التي ولد فيها ومال إلى أخلاقهم فتخلق بها، فنجحوا في مسعاهم هذا بعض النجاح، إلا أن الحزب العربي أخذ يتقوى في ديار الحجاز والشام، وكان يتحين فرصة لينتهزها ويتملص من ربقة أولئك الأغرار المستبدين، حتى سنحت له على وجه لم يكن في الحسبان.
Bilinmeyen sayfa