Irak Tarihinin Özeti: Başlangıcından Günümüze
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Türler
وقد كانت بابل حاضرة تلك الديار الغنية قلبها الحي ومركز حركتها في أمر التدبير والسياسة والغنى، ولا جرم أنها كانت كذلك حتى لما كانت خاضعة لغيرها في أمر سياستها؛ فقد كانت محط رحال الأقوام ومتصل تجاراتهم ومجتمع قوافلهم؛ إذ كانت تزدحم فيها بياعات أهل الشمال وبلاد العرب والهند وبحر الروم وسكان الغرب، وفيها ملتقى أناس من عناصر شتى ولغات مختلفة وألوان متغايرة، وفيها كانوا يختلطون بعضهم ببعض، فهي بابل بالحقيقة. وفي محلة من أحياء الحاضرة التي كان يخرقها من جهة إلى جهة «الطريق السلطاني» كانت الشركات التجارية ومخازنها الواسعة، منتسقة على طول ترعة «ببكودو»، ومما يجدر ذكره أن في أيدي طلبة الآداب المسمارية الخط في ديار الإفرنج نحو أربعة آلاف صفيحة من الآجر أو أكثر يطالعونها، وهي عبارة عن دفاتر المحل التجاري الكبير لأصحابه «أجي وأولاده»؛ فقد كانوا يتعاطون بيع غلات بابل والنخاسة (تجارة الرقيق)، ويمكننا أن نتحقق منها معاطيات تجارتهم وسعتها وثروتهم الضخمة منذ أيام نبوكد نصر إلى نحو مائة سنة بعدها.
ولم يكد نبوكد نصر يموت إلا ومات معه هذا الملك العريض؛ ففي مدة سبع سنوات (562-555ق.م) توالى على أريكة الإمارة ثلاثة ملوك، واضمحلوا في فتن وقعت في القصر، فانقرضت تلك الأسرة وزالت كل الزوال كأنها لم تكن. وأول من توج بعد اضمحلال آل نبوكد نصر كان «نبو ناهد»، وكان رجلا تقيا كثير الولع بالأبنية، إلا أن شعبه لم يحبه، وأراد أن يدفع عنه غائلة الفرس بانضمامه إلى اللوذيين والمصريين، فلم ينجح؛ إذ سقطت لوذية (سنة 546)، ولم ينتفع من سني سكون كورش ليحصن مملكته، فلما كان الهجوم (سنة 538) كسر شر كسرة وقبض عليه ومات بعد أيام قليلة، ومذ ذاك الحين أصبحت كلدية أو دار الكلدان من توابع مملكة الفرس.
والفرس جيل من الناس احتل البلاد الواقعة في شرقي عيلام، منذ أول انهيال الأقوام الآرية وهبوطهم من مواطنهم، فكانت تمتد ربوعهم من مصب نهر تاب في الغرب، إلى أنحاء مضيق هرمزد، وهي قفار، وماؤها لا يكفي لسقيها على طول الساحل، وفيها أنهر صغار لا غير، مثل التاب والبندمير والكراب، وكلها تدفع في البحر. أما ما بقي من سائر الأنهار فلا مجرى لها، بل تجتمع في بطون الأودية، فينشأ منها بحيرات يختلف امتدادها باختلاف الفصول. وكانت القبائل الفارسية قد اقتسمت تلك الأرجاء وكورتها كورا، منها: الباريتكينة (وهي اليوم جزء من عراق العجم)، والمرديانة، وكلتاهما في الجبال، والتكينة، وهي على طول الساحل، والكرمانية نحو الغرب، وابتنوا لهم فيها بعض القرى الضخمة، أشهرها: إصطخر (فرسيبوليس)، وبسا (فسر كد، أو معسكر الفرس)، وكانوا يدينون لملوك من صلب رجل اسمه هاخمنيش، كان زعيمهم في إبان هبوطهم البلاد، ثم انتزع واحد من فرع هذا البيت كورة أنشئت من العيلاميين الذين كان أفناهم آشور بنيبل، وأسس فيها إمارة دبر أمورها يئسبا وكورش الأول وقنبوسيا الأول (قمباسوس)، وأقروا بسيادة الماذيين عليهم ما يقرب من قرن.
ثم جاء كورش الثاني، وهو ابن قنبوسيا، ويعتبر من كبار الفاتحين الذين فتحوا الفتوحات الواسعة وفرشوا على الأرض بساط ملكهم الضخم، وحالما انتصب كورش على أريكة مملكة ماذي وتوج ملكا على الماذيين والفرس والعيلاميين أصبح مالكا لدولة أوسع من كل دولة سبقتها، من جهة الوحدة والارتباط والرجوع إلى الرأس الواحد، وأرصد بقية حياته ليزيد في بسط ملكه. أما تتويجه ملكا على الماذيين والفرس فكان في أكبتاتة في سنة 550ق.م على الأرجح، وأما سائر الدول، فلما رأت أن ظل السطوة الإيرانية في امتداد دائم، وأنه أوشك على أن يمتد إلى ديارهم، أوجست في نفسها خيفة، فتحالفت عليها، والمتحالفات هي: لوذية، ومصر، وبابل. بيد أن هذا الملك العظيم استحوذ على سرديس، فأزال بذلك مملكة لوذية، وظل سائرا في وجهه ممعنا في جوف آسية الصغرى، متجها إلى السواحل اليونانية على خط مستقيم. وبعد ذلك حول كورش نظره إلى الشرق، ومن سنة 545 إلى 539ق.م كان يحارب ويفتح المدن في الأرض التي نسميها اليوم ولايات بخارى، ومرود، وفيما وراء بحر قزوين، وفي أفغانستان، وبلوجستان. ولما كان أهالي تلك الديار يتصلون نسبا بالأقوام الإيرانية لم يخف كورش من انتقاضهم عليه، فزحف على بابل، وكان القابض يومئذ على أعنة الملك نبو ناهد، وهو وإن لم يكن من آل نبوكد نصر في الظاهر إلا أنه توفق رعاية الملك، فقبض عليه كورش وأسره، وصير أرض شنعار ولاية فارسية (سنة 537ق.م)، وأما مصر فقد ترك فتحها لابنه قنبوسيا؛ إذ عقد نيته على تدويخ قلب آسية، لكنه مات في معركة خاض غمارها في موطن قريب من إحدى ضفتي سرداريا (سنة 529ق.م).
وأتم ابنه قنبوسيا في مدة ملكه القصير (من سنة 529-521ق.م) فتح مصر، ثم اتفق بأن الموبذات الماذيين أعانوا برديا أحد النصابين، فاغتصب الملك مدة وجيزة، ثم انتقل الصولجان إلى يد فروع أخر من فروع الكيانيين وهو دارا (الذي يسميه بعضهم داريوس) بن يشتشب، سنة (521-485ق.م).
ودارا هذا من أعظم ملوك الفرس، فإذا كان كورش هو منشئ الدولة الفارسية فدارا منظمها ومرتبها، ولقد كابد الأمرين في عدة سنوات ليقمع جماح الفتن القومية، ويردع الشيوخ أو الأمراء الإيرانيين عن مطامح أبصارهم إلى امتداد ذلك الملك الضخم، الذي دخل في حوزة ملك الملوك؛ فهيئة الإدارة الملكية وتقسيم أراضي الدولة إلى مرزبات، وتوزيع الضرائب، هي كلها من أعمال دارا، وقد حاول أن يوسع ملكه في إحدى الجهات ويمعن في أرضها، فعبر البصفور ووطئ أوروبة، وأجبر مكدونية على أداء الجزية، ثم أوغلت جيوشه في جهة الشمال خلال البلاد التي نسميها اليوم بلغارية ورومانية، ثم خلال الطونة (الدنوب) في سهول جنوبي روسية، لكنه أخفق في زحفته، فاضطرت الجيوش الفارسية إلى العودة نحو الجنوب متكبدة خسائر، إلا أن دارا بقي قابضا على تراقية ومكدونية.
فيتضح لك مما تقدم بسطه أنه لم يكن يوجد في ذلك العهد في الأرض إلا مملكة واحدة، في طرفها الواحد جبال البلقان، وفي الطرف الآخر ضفاف نهر السند، وفي أقصاها شلالات النيل، وفي أقصاها الآخر سرداريا، فاجتماع عدة ممالك بهذه الصورة لم يحلم به أحد في القرون الماضية بأن يكون في قبضة رجل واحد. ومن خاصيات هذه السيادة العظمى أن الشعوب التي كانت تطأطئ رأسها لصولجان هذا العاهل الكبير كانت آمنة على نفسها، عائشة عيشتها الغريرة، ومدبرة شئونها بنفسها طالما كانت تعمل بأمره؛ أي: طالما كانت تؤدي الجزية وحصة الرجال اللازمة لجيوشه، فالحق يقال: إن جمع القوى في قلب المملكة الحديثة النشوء في مثل تلك الأيام التي كانت تصعب فيها المواصلات؛ إذ كانت في بدء أمرها، هو من الأمور العجيبة، ومما زاد ارتباط أجزاء مملكته بعضها ببعض أنه أقام نوعا من السعاة والرسل على طول الطرق الرئيسة في مملكته ليضم الأطراف النائية منها إلى قلبها، فتجري مجاري الحياة في عروق هذا الجسم العظيم. والديار التي هي مثل آسية الصغرى كان قد أودع جزءا منها إلى عناية حكامها الوطنيين الذين فيها، والجزء الآخر إلى الحكام الإيرانيين الذين كان لهم قصور خاصة بهم في الديار المذكورة، وكان بيدهم الربط والحل بقدر ما يحتمله المقام الخاص بهم، وكانوا كأنهم ملوك صغار في تلك الربوع، وكان المبدأ المألوف في الإدارة الفارسية ألا يتدخل كبارها القابضون على زمام الأمر في شئون داخل الأقوام التي أخضعت لحكمهم، وكان الملك راضيا عنهم طالما يحكمون باسمه حكما عادلا ويبقون مخلصين لعرشه؛ فالمدن اليونانية الواقعة على سواحل آسية الصغرى كانت مثلا تحت حكم ملوك يونان، وقد وافق على تعيينهم الملك الفارسي، فإذا عدلوا عن محجة العدل والإخلاص أبدلهم حالا بغيرهم.
ونرى مثالا آخر من نوع هذه الإدارة الكثيرة التسامح ما حدث في اليهودية؛ فإن بابل لما انتقلت إلى يد كورش سمح هذا الملك لجميع الأسرى اليهود أن يعودوا إلى أوطانهم إذا أحبوا، وأن يبنوا لهم هيكلا جديدا ليهوه آلهتهم، فعمل بهذا الإذن جماعة منهم وشادوا الهيكل على مكانه القديم، وأخذوا يكثرون وينمون حتى نشأت حوله مدينة يهودية جديدة، وكان لها شيوخ خاصة بها يديرون شئونها، ولما أنفذ الملك حاكما أو عاملا باسمه في اليهودية انتقاه بين يهود بابل، وهو نحميا.
على أن الإدارة مهما كانت حسنة في حد نفسها إلا أن الأمم التي كانت غريبة العنصر كانت ترى الخضوع للملك الأجنبي والانقياد لأوامره من أصعب المصاعب، فكانت تحاول أن تتحرر من هذه الربقة، ولا سيما لأن أمراء الملك كانوا يضربون عليهم ضرائب مختلفة من نقد أو عين أو رجال، فكانوا إذا رأوا أنه ينزح بأولادهم يشق عليهم الأمر أعظم مشقة؛ إذ أكثرهم يموتون في الحرب أو لا يعودون إلى أوطانهم لعلة من العلل، والأهالي الذين كانوا يبقون في بلادهم كانوا مكرهين على أن يحووا عندهم حامية الملك، وهو أمر لا يخلو من الأضرار الأدبية والمادية.
وإذا انتقلنا إلى وادي الفراتين نرى أن جانبا عظيما من أصحاب المعيشة القديمة كانوا باقين عليها بدون أدنى تغير، وكان أصحاب العناية منهم يدونون أشغال تجارتهم وشئونهم الشرعية حفرا على صفائح الفخار، متخذين لها القلم القديم المسماري.
Bilinmeyen sayfa