أقول إن أعداء الطبقة العاملة هم أولئك الذين يقفون في طريق تربيتها باتباعهم هذه الوسائل الباطلة؛ لأن التربية الحقة هي في العمل لا القول. إننا نعلم أن الطبقة العاملة هي أهل للحكم الديمقراطي، كما ترغبون، وكما أتمنى يوم تأتي أعمالها مطابقة للحق الذي تحاول الانتساب إليه. هذه هي التربية التي يجب أن تعطى لها ولن تكون بالكلام.
هذه التربية جربت أن أقوم بها، ولكني لم أجد جورس إلى جانبي لا في «لانس» ولا في «دونين». لست بحاقد عليك لذلك، ولكن من يدري وأنت ذو السلطة الواسعة والكلمة المسموعة فيهم، من يدري لو أنك أضفت كلامك إلى كلامي وصوتك إلى صوتي؟ من يدري كم من فائدة كنا جنيناها وفاجعة كنا أقصيناها؟
لا أرميك بالخطأ ، ولكن أقل ما يجب عليك بعد أن رأيتني في ميدان العمل والواجب؛ أن تكون أكثر عطفا على الوزير الذي تحاربه (حسن حسن).
لا ريب أنك تشرف علي من أعالي قمة أفكارك الاجتماعية، ولك مقدرة غريبة أن تخلق بعصاك السحرية جنات الفردوس، أما أنا فعامل بسيط يقدم حجره في بناء هذا الهيكل الذي لن نراه، والفرق بيني وبينك أن فراديسك تتداعى وتنهار لأدنى نسمة من الحقيقة، لكن هذا الهيكل الجمهوري سيناطح السماء يوما (تصفيق في اليسار).
الحق - أقول لك - أنه يجب التمييز في النظام الاجتماعي بين الصورة والإطار، من السهل إصلاح الإطار علما، ولكن الإصلاح العملي يقتضي النظر في الصورة، وإذا كان في الإمكان أن يتلاءم الإنسان مع النظام الذي تريد تغييره أصلحوا الإنسان أولا، وهو يعرف لنفسه أن يجد الإطار الموافق بدون أن يهتم بتعاليمكم، أو نبوءاتكم التي لن تتحقق.
أنا لا أدري إلى أية نتيجة وصلتم، ولكني أستطيع أن أقول إنه إذا تم لكم هذا الإطار الجديد بقي عليكم أن تدخلوا فيه إنسانا جديدا يقوى على الحياة في هذا الاجتماع الذي ولده دماغكم؛ لأن الإنسان الحاضر هو غير ما تريدون ليعيش فيه.
على كل حال هناك نقطة هامة يظهر فيها خطأ آرائكم وضلال مذهبكم، وهو أن الرجل الذي تحتاجون إليه لتحقيق أحلامكم وتكوين هيئتكم الآتية غير موجود، ولو فرضنا أنه وجد يوما فسيستعمل ذكاءه كما يريد هو بدون أن يهتم بالطريق التي تختطونها له.
تدعون أنكم تضعون المستقبل مباشرة، أما نحن فنضع الإنسان الذي يتوقف عليه المستقبل فأعجوبتنا أعظم وأبدع. نحن لا نخلق إنسانا خصوصيا، بل نأخذ الرجل كما هو بما عليه من آثار الخشونة الأولى خشونة الكهوف، وبما فيه من تمرد وأنانية وجودة وإشفاق للآلام التي يتحملها أو يحملها إخوانه، نأخذه غير معصوم من الخطأ ونهديه وننميه ونضعفه من جانب الشر، ونقويه من جانب الخير، ونعطيه الحرية، ونخرج به من ظلمات الحكم الغاشم إلى أنوار العدل السامي (تصفيق) فيتقرب من الكمال يوما بعد يوم ويصير أقدر على إدارة نفسه والتصرف في العالم الذي حوله (تصفيق).
ولكن حذار حذار، فإنكم إذا خدعتم الرأي العام بوعود لا يمكن تحقيقها، فإن الرأي العام ينقلب عليكم. إذا حببتم الشدة ومهدتم سبيلها فلا تنسوا أنها ستمشي إليكم آجلا أو عاجلا، إذا ثابرتم على خطتكم العدائية من تصوير الحق في صورة الباطل والافتئات على الحكومة، بينما هي لا تألو جهدا في ترقية الطبقة العاملة، فإن اليوم الذي تصلون به إلى غايتكم لنذهب ضحية أعمالكم هو يومكم الأخير أيضا (تصفيق). (16) جوريس
من خطبة جوريس في فضائح بناما سنة 1893
Bilinmeyen sayfa