ذلك ما حدا بي إلى تأليف هذا الكتاب واضعا فيه كل ما وقفت عليه في كتب القوم على ندرتها أو عرفته بالاختبار، ولا أدعي به القدرة على أن أخلق ديموستينا أو شيشرونا غير أني واثق أنه يساعد القارئ على تحقيق رغبته في أن يكون يوما من أبطال المنابر.
وقد أردت به على الخصوص خدمة المدارس على أنه لا يخلو من اللذة والفائدة للمحامي والخطيب، والله من وراء كل علم.
القسم الأول
البلاغة علما وعملا
تعريف البلاغة
1
إن تعريف البلاغة صعب ككل تعريف، جرب مثلا أن تعرف الذكاء أو الجمال أو الحكمة، فقد تظن للوهلة الأولى أن ذلك سهل المنال ولا تلبث بعد الإمعان أن تتبين خطأ ظنك فترى أنه أسهل عليك أن تدرك الأشخاص أو الأشياء المطبوعة بطابع الجمال أو الذكاء أو غيرها من أن تحلل جوهر هذه الصفات عينها. كذلك البلاغة فإننا نفهم بلا تعب أن هذا الرجل أو هذا الخطاب بليغ، ولكن الفهم شيء والتحليل شيء آخر.
جاء في البيان والتبيين للجاحظ: قيل للفارسي: ما البلاغة؟ قال: معرفة الوصل من الفصل.
وقيل لليوناني: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام.
وفي العمدة لابن رشيق: سئل بعضهم: ما البلاغة؟ قال: قليل يفهم وكثير لا يسأم.
Bilinmeyen sayfa