ما تكون آخرة هذا الظلم وهذه اللصوصية؟ وما تريدون من هذا الملك الواسع والمكاسب الضخمة في حين يكفي شبر من الأرض ليضم أشلاءكم الحقيرة؟ علام هذا الطمع والجشع؟ إلام تحتقرون شرائع الله والناس؟
إنكم كيفما التفتم تتمثل لكم صورة آثامكم، فهنا يتيم يبكي، وهناك أرملة تئن، فقراء اضطهدتموهم، وخدم أسأتم إليهم، وجيران أغضبتموهم، كل هؤلاء قيام ضدكم يوم الدينونة فمن يكون معكم؟
ما معنى هذا الغنى الفاحش؟ وهل في الذهب والألماس شيء غير الحجر والتراب؟ وماذا استفاد الخازن لها في مقاومة المرض والموت؟
تدعون أنكم تحافظون على هذا المال لأولادكم، يا لها من دعوى كاذبة! أليس الله أباهم؟ ألم يعطهم الحياة من قبلكم؟ وبعد هذا كله من يكفل لكم أن أبناءكم تحسن استعماله، كم مرة كان المال مجلبة الفساد والإثم للشبيبة؟ تجمعونه بالتقتير ولا تعلمون أين المصير، أليست لكم نفس هي أعز عليكم من بنيكم؟ فإن خسرتموها فماذا تربحون وما ينفعكم بعدها ما تجمعون؟ (6) يوحنا فم الذهب
هو من أشهر خطباء النصرانية، وقد نشرنا خطابه الذي دافع به عن أتروب، وهو آية في البلاغة.
كان أتروب رجلا سافل الأصل والأخلاق، بلغ باحتياله ومطامعه ومعونة الإمبراطور أركاد أعلى مقامات الشرف والثروة، وعين قنصلا، فكان أول أعماله اضطهاد الأسقف يوحنا، والحصول على سن شرعة يحظر فيها على الكنائس حماية اللاجئين إليها.
ولكن الدهر بالناس قلب، فهوى أتروب يوما من ذروة مجده، وتخلى عنه الإمبراطور، وأسلمه إلى حقد الشعب الثائر وغضبه، فلم ير مناصا إلا بالالتجاء إلى كنيسة القسطنطينية التي اضطهدها وجردها من امتيازاتها التي كانت تخولها حق الحماية.
وكانت الغوغاء تتعقبه محاولة الفتك به، فنهض يوحنا وأخمد ببلاغته هياج الشعب وأخرس صوت الانتقام، مدافعا عن عدوه الساقط.
ولم يكن أكثر روعة من مشهد ذلك الجمع يحاول اقتحام المعبد للانتقام، وأتروب مختبئ خلف المذبح يتمرغ على قدمي الأسقف، قال:
إذا صح قول الحكيم باطل الأباطيل كل شيء باطل، فلا أجد حالا يصدق فيه هذا القول وينطبق عليه كحالنا اليوم، أين عظمة القنصل ومجده؟ أين هي الجنود التي كانت تمشي في خدمة الظافر؟ ماذا جرى بالهتاف والتصفيق والولائم والأفراح؟ إلى أين انتهى ذلك الازدحام على الأبواب والترامي على الأعتاب؟ لقد تبدد كل هذا تبدد الغيوم. عصفت الريح فجردت الشجرة من أوراقها، وقطعت الصلات التي تربطها بالأرض، وها هي الآن تحاول محو آثارها. أين أنتم أيها الأصدقاء المنافقون والرفقاء المملقون؟ وما حل بتلك المآدب الفخمة تتدفق فيها سيول الخمور، ويحفها الإخلاص الكاذب، ويشرف عليها الولاء الملبس بالرياء؟ ذهبت تلك البحبوحة كأن لم تكن، وزالت كالحلم وتناثرت كزهر الربيع. سراب غرار. بخار لامع يبدو حينا ثم ينقطع. باطل الأباطيل كل شيء باطل.
Bilinmeyen sayfa