والخلاصة على الخطيب لدى المقاطعة إما أن يرسل جوابه كالسهم إذا ساعده المزاج والخاطر، وإما أن لا يعبأ بها خير من أن يتمتم كلاما لا هو جواب ولا تتمة خطاب.
4
بقي أن نقول كلمة عن التصفيق فلا يجب أن يغتر به الخطيب؛ لأنه لا يدل دائما على الاستحسان، بل كثيرا ما يأتي تأدبا أو عادة أو دفعا للملل، وقد يكون لأن الكلام مما يضحك، أو إشفاقا على الخطيب من التعب فكأنه فرصة للراحة، وقد يكون أيضا لأجل إسكات الخطيب بعد أن أتعبهم بالكلام الذي لا طائل تحته.
وكما يصفق النظارة أحيانا للممثل إكراما للمؤلف لا له، كذلك يصفق للخطيب، لا لأجل الخطاب بل لنكتة جاءت موافقة لروح السامع، أو لاسم عظيم ذكره أو غير ذلك، بل لو لم يكن في التصفيق غير الاستحسان لما كفى ذلك للدلالة على جمال الخطبة، ولو أعطي الخطيب أن يتغلغل في القوم ويصغي إلى همسهم لعاد دهشا من كثرة ما يسمع من الطعن أو الانتقاد، حتى من أقرب أصدقائه وأخلص المعجبين به.
وعندي أن مقدرة الخطيب ليست في إثارة التصفيق بقدر ما هي في استجلاب السكوت، السكوت التام الدال على الإصغاء والخشوع وأن عيون الجمهور شاخصة إلى شفتيه، وعقولهم متصلة بفكره، وقلوبهم خافقة على صوته، وأنفاسهم محبوسة على كلماته؛ ذلك لأن الخطيب يستولي على النفوس أكثر مما يستولي عليها المغني المطرب، ولأنه ساعة القول يخلق ما في نفسه ويقويه أو يضعفه حسبما يشاء فيسرع ويتمهل ويعلو ويهبط على وزن دقات القلوب. تلك هي مقدرة الخطيب التي تتجلى فيه ساعة من الوحي مباركة.
وبعد الختام فليصفق الناس ما شاءوا للتعبير عن إعجابهم واستسلامهم، أما الخطيب فقد سبقهم إلى إدراك هذا الإعجاب منهم وشعر به قبلهم.
أما المكاء أي الصفير فهو علامة الاستهجان عادة، ولكن الكثير من العامة في الشرق يجهلون معناه فيستعملونه في مكان تصدية الأيدي، فيختلط الحابل بالنابل ولا تعرف المراد منه تماما.
تهيئة الخطاب
1
من الخطباء من يفكر في موضوعه والقلم بين أنامله، فيخط على القرطاس كل ما يمر بالخاطر على أمل العود إليه عند التبييض لتنقيح ألفاظه وتهذيب عباراته.
Bilinmeyen sayfa