Söylem ve Toplumsal Değişim
الخطاب والتغير الاجتماعي
Türler
مقدمة
بدأ الباحثون في شتى المجالات العلمية اليوم يدركون طرائق ارتباط جوانب التغير في استعمال اللغة بجوانب تغيير اجتماعية وثقافية أوسع نطاقا، وبدءوا من ثم يقدرون أهمية استخدام التحليل اللغوي باعتباره منهجا لدراسة التغير الاجتماعي، ولكننا نفتقر حتى الآن إلى منهج للتحليل اللغوي يجمع بين الكفاءة النظرية، وإمكان تطبيقه عمليا. وهكذا فإن هدفي الرئيسي في هذا الكتاب أن أبني مدخلا للتحليل اللغوي يمكنه الإسهام في سد هذه الفجوة، أي أن أبني مدخلا ذا فائدة خاصة للبحث في التغير اللغوي، ويمكن استعماله في دراسات التغير الاجتماعي والثقافي.
وإنجاز ذلك يتطلب الجمع بين مناهج التحليل اللغوي التي وضعت في إطار علم اللغة والدراسات اللغوية، وبين الفكر الاجتماعي والسياسي المرتبط ببناء نظرية اجتماعية للغة تتميز بكفاءتها. والمناهج المذكورة أولا تضم في نظري العمل داخل شتى فروع علم اللغة (المفردات، علم الدلالة، النحو) والتداولية، وقبل كل شيء «تحليل الخطاب» الذي وضعه علماء اللغة، خصوصا في الآونة الأخيرة (وسوف أناقش شتى معاني «الخطاب» و«تحليل الخطاب» بعد قليل). وأما الفكر المشار إليه ثانيا، فيضم عندي العمل الذي قام به أنطونيو جرامشي، ولويس ألتوسير، وميشيل فوكوه، ويورجن هابرماس، وأنطوني جيدينز (انظر المراجع)، ومثل هذا «الجمع» كان ينبغي أن يتحقق من زمن طويل، ولكن العديد من العوامل المختلفة حالت دون تحقيقه بصورة مرضية حتى اليوم، وكان من بينها عزل الدراسات اللغوية عن العلوم الاجتماعية الأخرى، وهيمنة النماذج الشكلية والمعرفية على علم اللغة، ومن بينها أيضا نقص الاهتمام باللغة من جانب العلوم الاجتماعية الأخرى، وهو الذي كان ظاهرة تقليدية، إلى جانب الاتجاه إلى اعتبار اللغة كيانا شفافا، فإذا كان من الشائع استخدام بيانات لغوية معينة مثل المقابلات الشخصية، فقد ساد الاتجاه إلى تصور إمكان استخلاص المضمون الاجتماعي من دون الاهتمام باللغة نفسها، ولكن هذه المواقف بدأت تتغير؛ فالحدود القائمة بين العلوم الاجتماعية آخذة في الضعف، ويزداد تنوع النظريات والتطبيقات الناشئة داخل المباحث العلمية، ويصاحب وجوه التغير المذكورة «الاتجاه إلى اللغة» في النظرية الاجتماعية، وهو ما أدى إلى منح اللغة مكانة رئيسية أكبر داخل الظواهر الاجتماعية.
وهكذا، فإن المحاولات السابقة للجمع بين الدراسات اللغوية والنظرية الاجتماعية لم تحقق إلا نجاحا محدودا، فعلى سبيل المثال، قامت مجموعة من علماء اللغة في بريطانيا في السبعينيات ببناء مبحث يسمى «علم اللغة النقدي» من خلال الجمع بين نظريات ومناهج التحليل النصي الخاص ب «علم اللغة المنهجي» (هاليداي، 1978م) وبين نظريات الأيديولوجيا، وقبل ذلك بقليل كان ميشيل بيشوه وزملاؤه في فرنسا قد بدءوا يضعون مدخلا لتحليل الخطاب يستند خصوصا إلى العمل الذي أنجزه عالم اللغة زيليج هاريس، ونظرية الأيديولوجيا الماركسية في الصورة التي أعاد صوغها بها ألتوسير، ويعيب كلا من هاتين المحاولتين عدم التوازن بين العناصر اللغوية والعناصر الاجتماعية في «التركيب» الذي يجمع بينهما، على الرغم من وجود نقاط قوة ونقاط ضعف متكاملة، ففي الأولى نجد أن التحليل اللغوي والتعامل مع النصوص اللغوية يتميزان بالنضج، ولكنهما يكادان يفتقران إلى نظرية اجتماعية، كما أنهما يستخدمان مفهومي «الأيديولوجيا» و«السلطة» دون ما يلزم من المناقشة أو الشرح؛ وأما في عمل بيشوه فإن النظرية الاجتماعية ناضجة مفصلة، والتحليل اللغوي يقتصر على معالجة دلالية بالغة الضيق. أضف إلى هذا أن المحاولتين تقومان على نظرة استاتيكية (ساكنة، ثابتة) لعلاقات السلطة، تتميز بالتأكيد المبالغ فيه للطريقة التي يسهم بها التشكيل الأيديولوجي للنصوص اللغوية في إعادة إنتاج علاقات السلطة القائمة، ولا يكاد يلتفت إلى الصراع والتحول في علاقات السلطة ودور اللغة في ذلك، ونجد تأكيدا مماثلا لوصف النصوص باعتبارها نواتج مكتملة، من دون التفات يذكر إلى عمليات إنتاج النصوص وتفسيرها، ولا إلى جوانب التوتر التي تميز هذا وذاك، ومن ثم فإن محاولات التركيب المذكورة لا تناسب البحث الدينامي في اللغة أثناء عمليات التحول الاجتماعي والثقافي (ارجع إلى الفصل الأول الذي يناقش هذه المداخل بقدر أكبر من التفصيل، ويشير إلى المحاولات التي بذلت في الآونة الأخيرة؛ لتحسينها وتطويرها).
وأما التركيب الذي سوف أحاوله في هذا الكتاب فسوف يرتكز (مثل تركيب بيشوه) على «تحليل الخطاب» ومفهوم «الخطاب». والخطاب مفهوم يصعب تحديده، وذلك - إلى حد كبير - بسبب وجود تعريفات كثيرة متضاربة ومتداخلة، وضعت من شتى الزوايا النظرية والمباحث العلمية (انظر فان دييك، 1985م، وماكدونيل، 1986م، اللذين يوردان بعض التعريفات). ويستخدم مصطلح «الخطاب» في علم اللغة أحيانا للإشارة إلى عينات مديدة من الحوار المنطوق، وهو ما يختلف عن «النصوص» المكتوبة، وبهذا المعنى فإن «تحليل النصوص» و«تحليل الخطاب» لا يشتركان في اقتصار التحليل اللغوي التقليدي على الجمل أو الوحدات النحوية الأصغر، ولكنهما يركزان على الخصائص التنظيمية للحوار على مستوى أعلى (مثل تبادل الأدوار، أي التناوب، أو مثل بناء أنواع افتتاح المحادثة واختتامها)، أو على النصوص المكتوبة (مثل بناء خبر منشور في الصحيفة عن إحدى الجرائم)، ولكن الأكثر شيوعا هو استعمال «الخطاب» في علم اللغة، للإشارة إلى عينات من اللغة المنطوقة أو المكتوبة. وبالإضافة إلى الحفاظ على تأكيد المعالم التنظيمية على المستوى الأعلى، يؤكد معنى «الخطاب» المذكور التفاعل بين المتكلم والسامع، أو بين الكاتب والقارئ، ومن ثم عمليات إنتاج وتفسير الكلام والكتابة إلى جانب سياق الحال الخاص باستعمال اللغة، ويعتبر «النص» هنا بعدا واحدا من أبعاد الخطاب، بمعنى أنه «الناتج» المكتوب أو المنطوق لعملية إنتاج النصوص (فيما يتعلق باعتبار الخطاب «النص والتفاعل» معا، انظر ويدوسون، 1979م). ونقول أخيرا: إن «الخطاب» يستخدم للإشارة إلى شتى الأنماط اللغوية المستخدمة في مختلف المواقف الاجتماعية (مثل «الخطاب الصحفي»، و«الخطاب الإعلاني»، و«خطاب قاعة الدرس»، و«خطاب الاستشارات الطبية»).
ومن ناحية أخرى، يستخدم مصطلح «الخطاب» على نطاق واسع في النظرية والتحليل الاجتماعي، كما هو الحال مثلا في عمل ميشيل فوكوه، للإشارة إلى شتى طرائق بناء مجالات المعرفة والممارسة الاجتماعية، وهكذا فإن خطاب «علم الطب» هو الخطاب السائد اليوم في ممارسة الرعاية الصحية، على الرغم من تعارضه مع شتى أنماط الخطاب الكلية «البديلة» (مثل نمط العلاج الكلي والإبر الصينية)، وكذلك ضروب الخطاب «الشعبية» المنتشرة. وتتجلى أنواع الخطاب بهذا المعنى في طرائق معينة لاستخدام اللغة وغيرها من النظم الرمزية، مثل الصور البصرية (انظر طومسون، 1990م). والخطاب لا يقتصر على تصوير أو تمثيل كيان أو علاقات اجتماعية، بل إنه ينتج أو يشكل هذه الكيانات والعلاقات، وأنواع الخطاب المختلفة تمثل كيانات أساسية (سواء كانت «المرض النفسي» أو «المواطنة» أو «ثقافة القراءة والكتابة») بطرائق مختلفة، وتحدد مواقع الأشخاص بطرائق مختلفة، باعتبارهم ذواتا اجتماعية (كأن يعتبروا أطباء أو مرضى)، وهذه الآثار الاجتماعية للخطاب هي التي تحظى بالتركيز عليها في تحليل الخطاب، كما يحظى بالتركيز عليه أمر مهم آخر، وهو التغير التاريخي: أي كيف تتضافر أنواع مختلفة من الخطاب في ظل ظروف اجتماعية معينة لإنتاج خطاب جديد مركب. ومن الأمثلة المعاصرة مثال البناء الاجتماعي لمرض الإيدز، أي مرض نقص المناعة المكتسب، إذ تجتمع فيه عدة أنواع من الخطاب (مثل ما يتعلق بالأمراض التناسلية، والحديث عن التعرض ل «الغزو» من جانب «الأجانب»، والتلوث)، بحيث تشكل خطابا جديدا خاصا بالإيدز. وسوف يناقش في الفصل الثاني هذا المعنى الاجتماعي النظري للخطاب.
وترتكز محاولتي للجمع بين التحليل اللغوي والنظرية الاجتماعية على الجمع بين هذا المعنى الاجتماعي النظري للخطاب وبين معنى «النص والتفاعل» في تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي، وهذا المفهوم للخطاب وتحليل الخطاب له أبعاد ثلاثة، فأية «حادثة» خطابية (أي حالة من حالات الخطاب) ينظر إليها باعتبارها - في الوقت نفسه - قطعة نصية، وحالة ممارسة خطابية، وحالة ممارسة اجتماعية، فأما البعد النصي فيتبدى في التحليل اللغوي للنص، وأما بعد «الممارسة الخطابية»، مثل «التفاعل» في صورة الخطاب باعتباره نصا وتفاعلا، فيحدد طبيعة عمليتي إنتاج النص وتفسيره، مثل تحديد أنواع الخطاب (بما في ذلك أنواع الخطاب بالمعنى الاجتماعي النظري) التي يستمد منها، وكيف تجتمع معا فيه، وأما بعد «الممارسة الاجتماعية» فيعالج القضايا المهمة في التحليل الاجتماعي مثل الظروف المؤسسية والتنظيمية للحادثة الخطابية، وكيف يشكل ذلك طبيعة الممارسة الخطابية والآثار التشكيلية/البنائية للخطاب المشار إليه عاليه.
وينبغي أن أضيف أن مصطلح «النص» يستخدم في هذا الكتاب بالمعنى المألوف في علم اللغة لا في سواه؛ أي للإشارة إلى منتج مكتوب أو منطوق، بحيث تطلق صفة «النص» على تسجيل مقابلة شخصية أو محادثة، على سبيل المثال. والتأكيد في هذا الكتاب منصب على اللغة، ومن ثم على النصوص اللغوية، ولكنه من الصحيح توسيع فكرة الخطاب لتشمل الأشكال الرمزية الأخرى، مثل الصور البصرية والنصوص التي تجمع بين الكلمة والصورة، كما هو الحال في الإعلانات (انظر هودج وكريس، 1988م). وسوف أستخدم تعبير «خطاب» من دون أداة تعريف أو تنكير (بالإنجليزية)، في الإشارة إلى اللغة التي ننظر إليها من الزاوية الثلاثية الأبعاد المبينة عاليه (مثل قولي: «تحديد الذوات الاجتماعية يتحقق خطابيا»). وسوف أشير إلى «أنماط الخطاب» التي ينهل منها الناس عندما يمارسون الخطاب بمعنى الأعراف، مثل الأنواع والأساليب. وسوف أبدأ في الفصل الرابع باستخدام مصطلح الخطاب مصحوبا بأداة تعريف أو تنكير (فأقول «خطاب ما»، أو «أنواع الخطاب»، أو «خطاب البيولوجيا») فيما يشبه المعنى الاجتماعي النظري لطبقة معينة من أنماط الخطاب أو أعرافه، وسوف أشير أيضا إلى «ممارسات الخطاب» الخاصة بمؤسسات أو منظمات أو مجتمعات معينة (على العكس من «الممارسة الخطابية» باعتبارها بعدا يقبل التمييز تحليليا من أبعاد الخطاب).
وتتضمن الفصول 1-3 مبررات إقامة المفهوم المتعدد الأبعاد للخطاب، وتحليل الخطاب الذي رسمته أعلاه بالخطوط العريضة. فالفصل الأول يمثل استقصاء لمداخل تحليل الخطاب ذات التوجه اللغوي، أي إنها تركز على النصوص وتحليل النصوص، وسوف أسوق الحجة على أن هذه المداخل لا تهتم الاهتمام الكافي بجوانب الخطاب المهمة اجتماعيا، والتي تتطلب الاستعانة بالنظرية الاجتماعية، ويستعرض الفصل الثاني المنظورات الاجتماعية للخطاب في أعمال ميشيل فوكوه، ذلك المنظر الاجتماعي الذي كان له تأثير رئيسي في تطوير تحليل الخطاب، باعتباره شكلا من أشكال التحليل الاجتماعي، ويقول الفصل بعد ذلك: إن من شأن ازدياد الاهتمام بتحليل النصوص والتحليل اللغوي أن يزيد من قيمة تحليل الخطاب باعتباره من مناهج البحث الاجتماعي. ويقدم الفصل الثالث بعد ذلك مدخلي المتعدد الأبعاد، باعتباره تركيبا يجمع بين رؤى الخطاب ذات التوجه الاجتماعي واللغوي معا، سائرا متجها إلى ما سوف أطلق عليه مصطلح «النظرية الاجتماعية للخطاب». وتتضمن الفصول التالية في الكتاب تفصيلات هذا المدخل وتطبيقاته على شتى أنواع الخطاب.
ذكرت في بداية هذه المقدمة أن أشكال التغيير في استعمال اللغة تمثل جانبا مهما من أشكال التغير الاجتماعي والثقافي على نطاق أوسع، وهي مقولة يزداد إثبات صدقها كل يوم، لكنها تحتاج إلى المزيد من الشروح والمبررات، فمقولات الأهمية الاجتماعية للغة ليست جديدة؛ إذ إن النظرية الاجتماعية في العقود الأخيرة قد وطدت ما تتمتع به اللغة من مكانة رئيسية في الحياة الاجتماعية (انظر طومسون، 1984م). وأقول أولا: إننا رأينا، في إطار النظرية الماركسية، أن جرامشي (1971م) وألتوسير (1971م) يؤكدان أهمية الأيديولوجيا لإعادة الإنتاج الاجتماعي الحديث، كما أن غيرهما، مثل بيشوه (1982م) يعرف الخطاب بأنه الشكل المادي اللغوي البارز للأيديولوجيا (ومصطلح «إعادة الإنتاج» الذي استعملته، يعني الآليات التي تستعين بها المجتمعات للحفاظ على أبنيتها الاجتماعية وعلاقاتها الاجتماعية على مر الزمن). وأقول ثانيا: إن فوكوه (1979م) قد أكد أهمية التكنولوجيات في الأشكال الحديثة للسلطة، ومن الواضح أن هذه الآليات تعتمد اعتمادا أساسيا على اللغة. وأقول ثالثا: إن هابرماس (1984م) يركز على «استعمار» «عالم الحياة» من جانب «نظم» الاقتصاد والدولة، وهي التي يرى أنها تمثل «إزاحة» للاستعمالات «التواصلية» للغة الموجهة إلى إنتاج الفهم من جانب الاستعمالات «الاستراتيجية»، للغة الموجهة إلى تحقيق النجاح، أي إلى جعل الناس يفعلون أفعالا معينة، ويتجلى الارتقاء بمكانة اللغة والخطاب في المجال الاجتماعي بأشكال شتى، مثل البحث في العلاقة بين الجنسين (سبندر، 1980م)، أو أجهزة الإعلام (فان دييك، 1985م، ب) الذي يركز على اللغة، والبحث في علم الاجتماع الذي يستمد بياناته من المحادثات (أتكنسون وهريتدج، 1984م).
Bilinmeyen sayfa