مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حق حمده، والصلاة على خيرته من خلقه، محمد والطاهرين من عترته. أئمة الهدى، الأبرار، وسلم تسليما.
سألتم أيدكم الله، إملاء مسائل الخلاف بيننا وبين من خالفنا من جميع الفقهاء من تقدم منهم ومن تأخر. وذكر مذهب كل مخالف على التعيين، و بيان الصحيح منه وما ينبغي أن يعتقد.
وأن أقرن كل مسألة بدليل نحتج به على من خالفنا، موجب للعلم من ظاهر قرآن، أو سنة مقطوع بها، أو إجماع، أو دليل خطاب، أو استصحاب حال - على ما يذهب إليه كثير من أصحابنا - أو دلالة أصل، أو فحوى خطاب.
وأن أذكر خبرا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي يلزم المخالف العمل به، والانقياد له. وأن أشفع ذلك بخبر من طريق الخاصة المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
وإن كانت المسألة مسألة إجماع من الفرقة المحقة، ذكرت ذلك. وإن كان فيها خلاف بينهم أومأت إليه. وأن أتعمد في ذلك الإيجاز والاختصار، لأن ذلك يطول، وربما مل الناظر فيه.
وقد ذكرنا طرفا كثيرا من ذلك في كتابنا المعروف بتهذيب الأحكام، و
Sayfa 45
كتاب الإستبصار، وإن كان هذان الكتابان مقصورين على ما نختص بروايته، وأنا مجيبكم إلى ما سألتم بعون الله وقوته، حسب ما سألتم. معتمدا فيه الإيجاز حسب ما اقترحتم، ومن الله تعالى أستمد المعونة والتوفيق، بمنه ولطفه، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
Sayfa 46
كتاب الطهارة
Sayfa 47
كتاب الطهارة مسألة 1: في معنى الطهور عندنا: إن الطهور هو المطهر المزيل للحدث والنجاسة. وبه قال الشافعي (1) (2).
وقال أبو حنيفة (3)، والأصم (4): الطهور والطاهر بمعنى
Sayfa 49
واحد (1).
دليلنا: هو أن هذه اللفظة وضعت للمبالغة، والمبالغة لا تكون إلا فيما يتكرر فيه الشئ الذي اشتق الاسم منه. ألا ترى إنهم يقولون: فلان ضارب إذا ضرب ضربة واحدة، ولا يقال: ضروب إلا بعد أن يتكرر منه الضرب.
وإذا كان كونه طاهرا مما لا يتكرر، ولا يتزايد، فينبغي أن يكون كونه طهورا لما يتزايد. والذي يتصور التزايد فيه، أن يكون مع كونه طاهرا مطهرا مزيلا للحدث والنجاسة، وهو الذي نريده.
وأيضا وجدنا العرب تقول: ماء طهور، وتراب طهور. ولا تقول: ثوب طهور، ولا خل طهور. لأن التطهير غير موجود في شئ من ذلك. فثبت أن الطهور هو المطهر على ما قلناه (2).
مسألة 2: في ماء البحر.
يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود غيره من المياه، ومع عدمه. وبه قال جميع الفقهاء (3).
Sayfa 50
وروي عن عبد الله بن عمر (1)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (2) إنهما قالا: التيمم أحب إلينا منه (3). وقال سعيد بن المسيب (4): يجوز التوضؤ به مع عدم الماء، ولا يجوز مع وجوده (5).
دليلنا: قوله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (6)، وماء البحر
Sayfa 51
يتناوله اسم الماء. وقال تعالى أيضا: " فلم تجدوا ماء فتيمموا " (1)، فشرط في وجوب التيمم عدم الماء، ومن وجد ماء البحر فهو واجد للماء الذي يتناوله الطاهر. وعلى المسألة إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن التوضؤ بماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتة " (2).
وروى عبد الله بن سنان (3) وأبو بكر الحضرمي (4) قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن ماء البحر، أطهور هو؟ قال: نعم (5).
مسألة 3: في مسح الوجه بالثلج أو البرد.
من مسح وجهه ويديه بالثلج ولا يتندى وجهه لم يجزه. فإن مسح وجهه بالثلج وتندى به وجهه مثل الدهن فقد أجزأه.
Sayfa 52
وقال الشافعي: لا يجزيه ولم يفصل (1). وقال الأوزاعي (2) يجزيه ولم يفصل (3).
دليلنا: على أنه لا يجزيه إذا مسح ولم يتند، هو أن الله تعالى قال: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " (4). فأمر بغسل الوجه واليدين ومن مسح عليهما فلم يغسلهما. ولا يلزمنا مثل ذلك في جواز ذلك إذا تندى وجهه. لأنه إذا تندى وجهه فقد غسل، وإن كان غسلا خفيفا.
على إنا لو خلينا والظاهر، لما أجزنا ذلك، لكن خصصناه بدلالة إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في جواز ذلك.
وروى حريز (5)، عن محمد بن مسلم (6) قال سألت أبا عبد الله
Sayfa 53
عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر، لا يجد إلا الثلج ؟ قال: يغتسل بالثلج أو ماء البحر (1).
وروى معاوية بن شريح (2) قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقال: يصيبنا الدمق (3) والثلج، ونريد أن نتوضأ، ولا نجد إلا ماءا جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال نعم (4).
مسألة 4: الماء المسخن بالنار يجوز التوضؤ به. وبه قال جميع الفقهاء (5) إلا مجاهدا (6) فإنه كرهه (7).
وأما المسخن بالشمس إذا أريد به ذلك، فهو مكروه إجماعا (8).
دليلنا: على بطلان قول مجاهد: ما قلناه في مسألة ماء البحر من الظواهر
Sayfa 54
وعليه أيضا إجماع الفرقة.
وروي عنهم عليهم السلام إنهم قالوا: " الماء كله طاهر ما لم يعلم أن فيه نجاسة " ولم يفصلوا (1).
مسألة 5: لا يجوز الوضوء بالمايعات غير الماء. وهو مذهب جميع الفقهاء (2).
وقال الأصم: يجوز ذلك (3). وذهب قوم من أصحاب الحديث، وأصحابنا إلى أن الوضوء بماء الورد جائز (4).
دليلنا: قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا " (5)، فأوجب عند فقد الماء المطلق التيمم. ومن توضأ بالمائع لم يكن تطهر بالماء، فوجب أن لا يجزيه.
وروى حريز، عن أبي بصير (6)، عن أبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يكون معه اللبن، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إنما هو الماء والصعيد (7).
مسألة 6: لا يجوز الوضوء بشئ من الأنبذة المسكرة، سواء كان نيا أو مطبوخا على حال، وبه قال الشافعي (8).
Sayfa 55
وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ بنبيذ التمر، إذا كان مطبوخا عند عدم الماء (1) وهو قول أبي يوسف (2). وقال محمد (3) يتوضأ به ويتيمم (4)، وقال الأوزاعي: يجوز التوضؤ بسائر الأنبذة (5).
دليلنا: قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا " (6)، فنقلنا عند عدم الماء إلى التيمم من غير واسطة. فيجب أن لا يجوز الوضوء بالأنبذة، لأنه خلاف الظاهر، وعليه إجماع الفرقة.
وروى سماعة بن مهران (7)، عن الكلبي النسابة (8) أنه سأل أبا عبد الله
Sayfa 56
عليه السلام عن النبيذ؟ فقال: حلال. فقال: إنا ننبذه فنطرح فيه العكر (1)، وما سوى ذلك، فقال: شه شه (2)، تلك الخمرة المنتنة. قلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ قال: إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تغير الماء، وفساد طباعهم، فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من تمر، فيقذف به في الشن فمنه شربه، ومنه طهوره (3).
مسألة 7: إذا خالط الماء ما غير لونه، أو طعمه، أو رائحته من الطهارات فإنه يجوز التوضؤ به، ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء، فإن سلبه لم يجز التوضؤ به. وإن كان نجاسة فلا يجوز التوضؤ به على حال.
وقال الشافعي: إذا خالط الماء ما غير أحد أوصافه لم يجز التوضؤ به، إذا كان مختلطا به نحو الدقيق، والزعفران، واللبن، وغير ذلك. وإن جاوره ما غير أحد أوصافه، فلا بأس به، نحو القليل من الكافور، والمسك، والعنبر، وغير ذلك (4).
وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ به ما لم يخرجه عن طبعه، وجريانه، أو يطبخ به (5).
Sayfa 57
دليلنا: قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (1) فأوجب علينا التيمم عند فقد الماء، ومن وجد الماء متغيرا فهو واجد للماء.
وأيضا روى محمد بن أحمد بن يحيى (2) عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي (3) [عن أبي داود المنشد] (4) (5) عن جعفر بن محمد (6) عن يونس (7) عن حماد بن عيسى (8) قال: أبو عبد الله عليه السلام: الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر (9).
Sayfa 58
مسألة 8: لا يجوز إزالة النجاسات عند أكثر أصحابنا بالمايعات. وهو مذهب الشافعي (1).
وقال المرتضى (2): يجوز ذلك (3) وقال أبو حنيفة: كل مايع مزيل للعين يجوز إزالة النجاسة به (4).
دليلنا: إنا قد علمنا بحصول النجاسة في الثوب أو البدن، وحظر الصلاة فيه. فلا يجوز أن نستبيح بعد ذلك الصلاة إلا بدليل. وليس في الشرع ما يدل عليه.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء (5) في دم الحيض يصيب الثوب: " حتيه ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء " (6) فأمر بغسل الدم بالماء، فدل على أنه لا يجوز بغيره، لأنه لو جاز لبينه.
Sayfa 59
مسألة 9: جلد الميتة نجس، لا يطهر بالدباغ، سواء كان الميت مما يقع عليه الذكاة أو لا يقع، يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، وبه قال عمر (1) وابن عمر، وعائشة (2) وأحمد بن حنبل (3) (4) وقال الشافعي: كل حيوان طاهر في حال حياته، فجلده إذا مات يطهر بالدباغ وهو ما عدا الكلب والخنزير، وما تولد بينهما (5) وقال أبو حنيفة: يطهر الجميع إلا جلد الخنزير (6) وقال داود (7):
Sayfa 60
يطهر الجميع (1) وقال الأوزاعي: يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل لحمه (2) وهو مذهب أبي ثور (3) وقال مالك (4): يطهر الظاهر منه دون الباطن (5) وقال الزهري (6) يجوز الانتفاع بجلد الميتة،
Sayfa 61
قبل الدباغ وبعده (1) دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة والدم " (2) والجلد من جملة الميتة. وأيضا فإنه قبل الدباغ معلوم نجاسته بالإجماع، فمن ادعى زوالها احتاج إلى دليل.
وروى الحسين بن سعيد (3) عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ فقال: لا، ولو دبغ سبعين مرة (4).
مسألة 10: لا يجوز بيع جلود الميتة، لا قبل الدباغ، ولا بعده.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها قبل الدباغ، ويجوز بعده (5) وكان قديما يقول: لا يجوز بيعها بعد الدباغ أيضا (6) وقال أبو حنيفة: يجوز بيعها قبل الدباغ وبعده.
Sayfa 62
دليلنا: الآية، لأن قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة " (1) يقتضي حظر جميع أنواع التصرف.
وروى الحسن بن محبوب (2)، عن عاصم بن حميد (3) عن علي بن المغيرة (4) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشئ منها؟ قال: لا (5).
مسألة 11: جلود ما لا يؤكل لحمه إذا ذكي، منها ما يجوز استعماله في غير الصلاة، ومنها ما لا يجوز استعماله بحال.
فما يجوز استعماله مثل السمور (6) والسنجاب (7) والفنك (8) وجلود
Sayfa 63
السبع (1) كلها لا بأس أن يجلس عليها، ولا يصلي فيها، وقد وردت رخصة في لبس جلود السمور والسنجاب والفنك في حال الصلاة (2).
فأما ما عدا ذلك من الكلب والأرنب والذئب والخنزير والثعلب، فلا يجوز استعماله على حال. وما يجوز استعماله بعد الذكاة، لا يجوز إلا بعد الدباغ.
وقال الشافعي: كل حيوان لا يؤكل لحمه لا تؤثر الذكاة في طهارته، وينجس جلده وسائر أجزائه. وإنما يطهر ما يطهر منها بالدباغ (3) وقال أبو حنيفة: يطهر بالذكاة (4).
دليلنا: إن جواز التصرف في هذه الأشياء، يحتاج إلى دلالة شرعية، وليس في الشرع ما يدل على إباحة التصرف في هذه الأشياء، وإنما أجزناه بدلالة إجماع الفرقة على ذلك.
وروى علي بن أبي حمزة (5) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الفراء، والصلاة فيها؟ فقال: لا تصل فيها، إلا فيما كان منه ذكيا، قال: قلت أوليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال: بلى، إذا كان مما يؤكل لحمه. فقلت:
وما لا يؤكل لحمه من الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب، فإنه دابة لا تأكل
Sayfa 64
اللحم، وليس هو مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب (1).
وروى الحسين بن سعيد، عن الحسن (2)، عن زرعة (3)، عن سماعة قال: سألته عن لحوم السباع وجلودها قال: أما لحوم السباع من الطير والدواب فإنا نكرهه. وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه (4).
وأيضا بعد دباغها لا خلاف في جواز استعمالها ولا دليل قبل الدباغ.
مسألة 12: جلد الكلب لا يطهر بالدباغ. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: يطهر (6) وبه قال داود (7).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالخبر الذي قدمناه، من أن ما لا يؤكل لحمه لا يقع عليه الطهارة بالذكاة.
Sayfa 65