Hayal Düşünceleri ve Duygunun Yazımı
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Türler
فانظروا بعدنا إلى الآثار (9) كيف نكتب؟
نهضت أمتنا نهضة تحمد عليها في اللغة، وابتدأت شبيبتنا أن تأنس في دراستها لذة وإعجابا وسبيلا حسنة للمفاخرة بلغة كانت سببا في مجد أسلافهم وعلو شأنهم وبعد صيتهم، وتبارى من شبابنا مئات في النثر والنظم والتأليف والترجمة.
ولكننا لو بحثنا في هذا الجم الغفير عن المجيدين منهم لم نجد إلا عددا قليلا في كل فن من الفنون السالفة، ولو قارنا بينهم وبين أواسط الأمم الراقية لرجحت كفة الآخرين.
ضلت ناشئتنا في ديجور الجهل باللغة، وظلت تنشد نورا ينتشلها من تيهها فلم تجد غير نور ضئيل يحمله أستاذ المدرسة، فانبعثت في قلوبهم روح الأمل، ولكن خاب ظنهم إذ رأوا أن هذا النبراس الضعيف لا يكشف أمامهم الظلام، ولا يهديهم محجة الصواب. إن أستاذهم نفسه لفي حاجة إلى مرشد، وإنا نلتمس لتلاميذه العذر ما داموا تحت سيطرته، ولكنا نطالبهم بعد إتمام دراستهم أن يتفرغوا للغة بنظام وترتيب مفيد؛ حتى يحرزوا قسطا وافرا منها يرفع قدرهم وتعود آثاره على بلادهم بالفائدة الجزيلة. إن الأمم لا تحيا إلا بلغتها، والتاريخ أعظم شاهد؛ فقد تشتتت أمم عديدة فرطت في لغتها وفقدت شخصيتها وتفرقت كلمتها، ثم تمزقت كل ممزق واحتست كئوس الذل والهوان.
إننا لا نكاد نجد في شعرائنا وكتابنا من بلغ الإجادة وخلا من العيوب وداء حب الشهرة الكاذبة. استفحل هذا الداء بالأخص في الأدعياء والمتوسطين في العلم، وأصبح الفرد منهم يقرأ فاضح نقده ويعلم أنه مضغة في الأفواه وأضحوكة في كل ناد ومثال للسخرية في كل مجلس ولا يقلع عن غيه أو يحمر وجهه خجلا. يطبع البعض منهم كل بضعة شهور كتابا وينفق عليه بسخاء، حتى أصبح بعد للبعض عشرات من المؤلفات، وضايقوا أرباب المكاتب؛ إذ لم يتركوا فيها فراغا لجليل الكتب، ولم ينتفع منها مؤلفوها ولا بائعوها، ولله در المؤلف؛ فإنه لم يشعر بسأم الكتب، ولم يحزن على ماله الضائع، ولم يشعر بما سببه له مؤلفه من السخرية والذم، وبلغ من الأدعياء والمخادعين أن يطبع أحدهم ألفا من كتابه، ويعمل لكل مائة نسخة غلافا، فيكتب على المائة الأولى الطبعة الأولى وهكذا إلى المائة العاشرة ، فيكتب عليها الطبعة العاشرة ليغرر بصغار التلاميذ الذين هم تحت هيمنته ومن اشتروا كتابه خشية غضبه، ولقد تمثل بسخافته أحد الأدباء في مقالة «خداع العناوين»، وإني أسرد للقراء نادرة حقيقية لذاك العلامة مؤلف هذا الكتاب تنعشهم وتذهب ما يصيبهم من الملل من قراءة هذا الموضوع الطويل. كتب هذا النابغة تقريظا لنفسه، وجعله بشكل خطاب مرسل إليه، ولم يدع معنى في المديح ولا لفظا للتقريظ حتى أودعه فيه، وكال لنفسه من ضخم الألقاب ما سولت له به نفسه، ثم أمضى الرسالة باسم مستعار، وهرول إلى إحدى الجرائد التي احتجبت لتنشر له هذا التقريظ، فتقاسم الموظف المنوط بالإعلانات عاملان: شرف الضمير، والخوف من إفلات أجر عظيم، وصمم نابغتنا على نشر تقريظه بشكله دون أقل تغيير، فأقسم له حتى اطمأن فؤاده، ونقده الأجر. وبر مأمور الجريدة بقسمه، وأراح ضميره من التبكيت والوخز، ونشر الرسالة حرفا حرفا، ووضع لها عنوانا شائقا بليغا لا يزيد على كلمتين أظهرتا خباياها وهما: «إعلان مأجور».
إن أنعمنا النظر في قريض شعرائنا وجدنا فيه عيوبا كثيرة، ولم نر غير أبيات قليلة في القصيدة تعد من الشعر الجيد. نرى التكلف والصناعة ظاهرين مجسمين، والصوغ ضعيفا والتركيب غير متين، يكاد شعرهم يكون خلوا من جليل الابتكار، يسطون على المعاني القديمة من أطرافها، أو يجعلون عاليها سافلها، لا يستملون خيالهم وشعورهم ولا يعرفون أن يصوروا ما يقع تحت أعينهم تصويرا متقنا، فإن عبروا عن معنى لا يحتاج إلى أكثر من شطر نظموه في بيتين أو أكثر، ولو وفقوا لكتابته في أقل من بيت أضافوا جملة لإتمام البيت والقافية بمثابة لفظ لا معنى له. نرى القصيدة مفككة السياق غير مرتبة المعاني، كأنها ثوب خلق مرقع بمختلف الألوان، وإن بحثنا عن سبب وقوعهم في هذا العيب الشائن وجدناه راجعا إلى كونهم ينظمون القصيدة دون ترتيب كحاطب ليل، ويضعون أمامهم قصيدة قديمة من البحر والقافية التي يريدونهما، وكلما نظموا بيتا وفقوا له قافية من قوافي هاته القصيدة، وبعد إتمام العدد المرغوب يرتبون القصيدة، ويا لها من قصيدة كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، وكيف ينتظرون من قريض مثل هذا أن يكون فيه خيال وشعور وفكرة مفصلة مرتبة وصوغ متين؟
نرى الشباب منا حينما يميل إلى الشعر ويبتدئ في معالجته يقرأ دواوين البهاء زهير وابن معتوق والخفاجي والشبراوي وابن الفارض وأمثالهم، وهم أبعد عن الشعر بعد الأرض عن السماء، ليسوا إلا وزانين. يتركون الشعر الجاهلي وفيه آيات البلاغة البينات الساحرات، وعنوان الفصاحة، ونموذج القريض، والتراكيب العربية الصحيحة، ولا تشوبه كلفة، ولا تظهر عليه صناعة، ومثال لجوامع الكلم كان حروفه من نار وكلماته من سحر تستفز الهمم الخامدة، وتحمس القلوب الجامدة، وترقق الأكباد الغليظة، وقد مني نثرنا العصري بأدواء تفوق أدواء الشعر، وأصبح الكاتب يحشو الصحيفة تلو الصحيفة بلغط باطل مزوق بسجعات باردة سخيفة، ويحليه بسجوف من المحسنات البديعية تواري عجره وبجره في أعين السذج، يضيع الكاتب من هؤلاء وقته الثمين ويقطع متواصل فكره في البحث والتنقيب عن سجعات تافهة يغل نفسه بقيودها ويسد بها المسالك أمام نفحات خياله، يطارد السجع في بلدنا هذا الإنسان من المهد إلى اللحد، فكانت مرضعه تنومه وتداعبه بالسجعات قائلة له: «يا بت ياللي فوق السطوح قولي لي أجي ولا أروح، ياللي ما راح باسوس وبو الغيط يا حلاوه على السقيط.» يسمع الراقي يسجع ولا سجع الكهان قائلا: «يا ملح يا مليح، يا جوهر يا فصيح، بخور الفراخ يمنع الدواخ، وبخور الجاموس يمنع الكابوس.» يسمع الأطفال أقرانه مغنين في رمضان بمختلف الأغاني المسجعة كقولهم: «احدفوا العاده لبه وقلاده ... إلخ.» فلا ينقطع عن أذنيه رنين السجعات أنى سار، ويجد في نفسه منذ صغره ميلا شديدا إلى التسجيع يشب معه ويسري في دمه وعروقه.
إن ألقينا نظرة في إنشاء أعظم كتابنا وجدنا أنه لا يستطيع تجنب اللغط والثرثرة، ويرتب فكرته ويتخيل الخيال الفخم الراقي، ويصوغ القول صوغا عربيا بليغا، ويراعي انسجام الجمل ووزنها، ويحسن اختيار الألفاظ ويترك السجع إلا ما جاء عفوا، ويستملي شعوره وخياله، ويعود نفسه دقة الملاحظة، إذ عليها المعول في تصوير الأشياء تصويرا دقيقا، وبها يكون الاستدلال والحكم صادقين، وأن يضرب في اللغة العربية بسهم وافر ملما بطرف صغير من كل علم، مطلعا على نظم العرب ونثرهم.
ينقصنا معشر المصريين الذوق السليم وهو ملاك الإنشاء وروح البيان، ولا يتأتى نيله إلا بالتهذيب الصحيح وترقية الفكر بالعلوم الفلسفية، كما أن للفنون الجميلة نصيبا وافرا في تقويم الأذواق، فإن هذبت الموسيقى أسماعنا عرفنا الشعر المكسور دون أن نعلم شيئا من العروض، وميزنا رنة القافية وانتقينا أجمل الأبحر وزنا، وإن أحرزنا قسطا وافرا من التصوير فهمنا معنى الجمال في كل شيء، ولم يخطئ تصويرنا الفكري، وقويت فينا الملاحظة الدقيقة، وصدق استدلالنا وحكمنا.
إننا نسأم من قراءة الأبحاث العقلية والفلسفية، ولا نود أن نجهد فكرنا أقل إجهاد، وبينا نرى الكتب الفلسفية في كساد نرى الروايات العديمة الفائدة في رواج، ولا تتعدى مطالعتنا الكتب الأدبية السهلة. سرحت ناظري يمنة ويسرة علي أجد ثانيا لذاك الأستاذ النابغة الذي تفتخر به البلاد في الكتابة فلم أعثر على أحد يماثله في فخامة الموضوع، وحسن الصوغ، وجمال التصوير، وشدة التأثير، وغزارة المعاني مع قلة الألفاظ، يكتب جملة قصيرة ويضمنها من الاجتماعيات أحسنها، ومن الحكم أفخمها، ومن العواطف أشرفها، ومن الخيال رائعه، ومن الشعر المنثور بدائعه، يكتب والصدق رائده، والإخلاص مذهبه، والتواضع والنفور من حيث الشهرة دينه، ولولا وثوقي من ذلك لنشرت اسمه.
Bilinmeyen sayfa