لأننا نحيا نقول رأينا تأييدا أو معارضة، ولمن يقرأ ما نقول أن يحكم عليه، وله - بطبيعة الحال - أن يختلف معنا أو يتفق، فالكاتب لا ينزلف للناس ولا يداهن مشاعرهم وآراءهم أجمعين، وإنما هو يستوحي ضميره فيما يكتب، وضميره هو الحقيقة الوحيدة التي يستطيع أن يطمئن إليها. وقد يغضب بعض الناس، وقد يرضى بعض آخرون، ولكن المهم أن يكون الكاتب صادقا مع نفسه، وحينئذ سيكون صادقا مع الناس، فإذا اختلفوا مع الكاتب في الرأي فسيظلون على احترامهم له، فإن شعر إنسان ما أن الكاتب اتهمه بما ليس فيه، فالقانون هناك ينتصف لمن ظلمه قلم الكاتب، ويرد إلى المعتدى عليه كرامته أنصع ما تكون؛ لأنها حينئذ ستكون بريئة نقية بحكم القضاء الذي لا يتحيف ولا يطلق الأحكام إلا بعد إعمال الرأي النزيه البعيد عن الغرض والعواطف جميعا.
ولذلك فإنه لا حرية بلا قانون، الحرية بلا قانون فوضى، وفي ظل الفوضى تستطيع أن تعتدي على الآخرين، ولكن الآخرين أيضا يستطيعون أن يعتدوا على حريتك وعلى كرامتك وعلى مالك وعلى كل ما تقدسه، فالفوضى لا تقدس شيئا ولا تنتهي عند أمد.
والحرية المعتمدة على ركيزة القانون تجعل الكاتب يحس أن أصابعه طليقة حول قلمه، لا يحيط بها إلا القانون العام الذي يحميه كما يحمي خصومه، وبغير الحرية لا فن، وخاصة في الأدب؛ لأنه مرتبط بالكلمة، والكلمة لا تتنفس الحياة إن لم تكن حياة حرة طليقة، وهي لن تعيش في ظل القهر أو الإرهاب، إنها إن ولدت مع قهر أو إرهاب ولدت ميتة لا قيمة لها ولا وجود، والكلمة الميتة قتيل يعلن قاتلها عن جريمته، ويشهر بنفسه ليصبح أمام الناس قاتلا محقرا؛ لأنه ارتكب جريمته دون أي مبرر من خلق أو شرف ضمير.
والكلمة الحرة إذا تنفست الحياة وعاشت، ظلت تطن في آذان الزمان إلى أبد الآبدين، ولهذا كان الطغاة يخشون الكلمة أكثر مما يخشون الجيوش، فحين اجتاح الطغاة العالم حرصوا على إحراق الكتب؛ لأن الكتب كانت تخيفهم وترعبهم وهم الذين كانوا يخيفون العالم ويملئونه رعبا ، وكما خافوا الكلمة كانوا يخافون القانون؛ لأنهم أمام القانون ليسوا أسماء وإنما هم أشخاص، ولهذا ترسم العدالة معصوبة العينين وإن كانت مبصرة، فهي ترى الحق وتعطيه لصاحبه، ولا يعنيها من يكون، ومع العدالة والقانون تعيش الحرية دائما في وئام.
ثروت أباظة
كن مصريا واعتنق ما شئت
الأهرام - العدد 32656
11 مايو 1976
من مفكرة ثروت أباظة
نشأت فكرة العقد الاجتماعي عند روسو، والفكرة في مجملها تقول إن هناك عقدا غير مكتوب بين الفرد والدولة، ويتنازل فيه الفرد عن جزء من حقوقه لتضمن له الدولة الحقوق الأخرى، فهو يقدم لها ضريبة الدم متمثلة في الخدمة العسكرية الإجبارية لتحفظ عليه دماءه ودماء من يعولهم، ويقدم ضريبة المال لتحفظ له الدولة بقية ماله، ويقدم ضريبة الحرية بإطاعة قوانين الدولة لتحفظ له الدولة حريته، وبناء عليه يكون الفرد حاملا عبء المجتمع كله مقابل ما يسبغه عليه المجتمع من أمن وحرية، ويقول رجال القانون إن الحق والواجب كوجهي العملة، لا يفترقان.
Bilinmeyen sayfa