لأثبت جميع ذلك في هذه الورقة. والثلاثي عاريًا من الزيادة، وملتبسًا بها، مما يبعد تداركه وتتعب الإحاطة به. فإذا ثبت ذلك عرفت منه، وبه أن ذوات الثلاثة لم تتمكن في الاستعمال لقلة عددها حسب ألا ترى إلى قلة الثنائي، وأقل منه ما جاء على حرف واحد كحرف العطف وفائه وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء والجر، والأمر، وكاف رأيتك، وهاء رأيته. وجميع ذلك دون باب كم وعن وصه. فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه، لعمري، ولشيء آخر وهو حجز الحشو الذي هو عينه، بين فائه، ولامه، وذلك لتباينهما، ولتعادي١ حاليهما، ألا ترى أن المبتدأ٢ لا يكون إلا متحركًا، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنًا، فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزًا بينهما لئلا يفجئوا الحس بضد ما كان آخذًا فيه ومنصبًا٣ إليه.
فإن قلت: فإن ذلك الحرف الفاصل لما ذكرت بين الأول والآخر -وهو العين- لا يخلو أن يكون ساكنًا أو متحركًا. فإن كان ساكنًا فقد فصلت٤ عن حركة الفاء إلى سكونه وهذا هو الذي قدمت ذكر الكراهة له وإن كان متحركًا فقد فصلت عن حركته إلى سكون اللام الموقوف عليها وتلك حال ما قبله في انتفاض حال الأول بما يليه من بعده.
فالجواب أن عين الثلاثي إذا كانت متحركة، والفاء قبلها كذلك فتوالت الحركتان، حدث هناك لتواليهما ضرب من الملال لهما، فاستروح حينئذ إلى السكون، فصار ما في الثنائي من سرعة الانتفاض "معيفًا مأبيًّا"٥ في الثلاثي خفيفًا مرضيًا، وأيضًا
_________
١ يقال: تعادى ما بين الرجلين: اختلف.
٢ يريد الحرف الأول المبدوء به.
٣ في ش: "منتصبا". وفي ج: "منصبا نحوه".
٤ أي خرجت، يقال: فصل عن البلد، ومن البلد: خرج منه.
٥ حالان من قوله: "ما في الثنائي" فأما خبر صار فهو قوله: "خفيفا مرضيا" ولو كانت العبارة: فصار ما كان في الثنائي ... إلخ لكانت أدنى إلى الإفهام وأنأى عن اللبس.
1 / 57