وصهيل الفرس ونزيب١ الظبي ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل.
واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول٢ على فكري. وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علي جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة٣ السحر. فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا ﵏ ومنه ما حذوته على أمثلتهم فعرفت بتتابعه وانقياده وبعد مراميه وآماده صحة ما وفقوا لتقديمه منه. ولطف ما أسعدوا به وفرق لهم عنه. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله ﷿ فقوى في نفسي اعتقاد كونها توفيقًا من الله سبحانه وأنها وحي.
ثم أقول في ضد هذا: كما وقع لأصحابنا ولنا وتنبهوا وتنبهنا على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا -وإن بعد مداه عنا- من كان ألطف منا أذهانًا وأسرع خواطر وأجرأ جنانًا. فأقف٤ بين تين الخلتين حسيرًا وأكاثرهما فأنكفيء مكثورًا. وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها٥ عن صاحبتها قلنا به وبالله التوفيق.
_________
١ التزيب: صوت تيس الظباء عند السفاد.
٢ تغول الأمور: اشتباهها وتناكرها.
٣ الغلوة: الغاية في سياق الخيل، يريد أنه يدنو من غاية السحر.
٤ يبدو من هذا أن مذهب ابن جني في هذا المبحث للوقف، فتراه لا يجزم بأحد الرأيين: الاصطلاح والتوقيف. وقد صرح بهذا ابن الطيب في شرح الاقتراح.
٥ كذا في ش والمزهر ١٠/ ١. وفي أ: "يفكها". أي يفصلها عنها. وهذا يرجع، إلى المعنى الأول.
1 / 48