اللغات؛ كما اختلفت أنفس الأصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات. وهذا قول من الظهور على ما تراه. إلا أنني سألت يومًا بعض أهله١ فقلت: ما تنكر أن تصح المواضعة من الله تعالى وإن لم يكن ذا جارحة بأن يحدث في جسم من الأجسام خشبة أو غيرها إقبالًا على شخص من الأشخاص وتحريكًا لها نحوه ويسمع في نفس تحريك الخشبة نحو ذلك الشخص صوتًا يضعه اسمًا له٢ ويعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشخص دفعات مع أنه -عز اسمه- قادر على أن يقنع في تعريفه ذلك بالمرة الواحدة فتقوم الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المواضعة وكما أن الإنسان أيضًا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المراد المتواضع عليه فيقيمها في ذلك مقام يده لو أراد الإيماء بها نحوه فلم يجب عن هذا بأكثر من الاعتراف بوجوبه ولم يخرج من جهته شيء أصلًا فأحكيه عنه وهو عندي٣ وعلى ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع مواضعة القديم تعالى لغة مرتجلة٤ غير ناقلة لسانًا إلى لسان. فاعرف ذلك.
وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب،
_________
١ هم المعتزلة. انظر المزهر ص١٢ ج١، وينسب هذا المذهب إلى أبي هاشم الجبائي عبد السلام بن محمد من رءوس المعتزلة. وكانت وفاته سنة ٣٢١. وانظر المزهر ١٠/ ١.
٢ أي الشخص المراد وضع الاسم له. والشخص: سواد الإنسان وغيره، والذي يفهم التسمية بالضرورة غير الشخص المسمى.
٣ العبارة في المزهر "وهذا عندي على ما تراه الآن لازم"
٤ قيد بهذا لأن هذا موضع المنع عند القائلين به، فهم إنما ينكرون أن يواضع الباري لغة مرتجلة، فأما أن يواضع لغة ثابتة من قبل بأن ينقلها إلى لغة أخرى فيقول: ما تعبرون عنه بكذا عبروا بكذا فلا شيء فيه ما سبق له.
1 / 47