والأمر في هذا أظهر وشواهده أسير وأكثر.
ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيًا. وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد "منها"١ سمة ولفظًا إذا ذكر عرف به ما مسماه٢، ليمتاز من غيره وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله. بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني٣ وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد كيف٤ يكون ذلك لو جاز وغير هذا مما هو جار في الاستحالة والبعد مجراه فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومئوا إليه وقالوا: إنسان إنسان إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا: يد عين رأس قدم أو نحو ذلك. فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيها٥ وهلم جرا فيما سوى هذا من الأسماء والأفعال والحروف. ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول: الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد٦ والذي اسمه رأس فليجعل مكانه سر٦ وعلى هذا بقية الكلام. وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها لجاز أن تنقل ويولد
_________
١ زيادة من ش.
٢ العبارة في المزهر ص٨ ج١: "عرف به مسماه".
٣ في عبارة الخصائص التي ساقها ابن علان في شرح الاقتراح: "كالمعاني".
٤ في المزهر: "وكيف".
٥ في ش: "معناها".
٦ مرد: هو الإنسان، وسر: الرأس في الفارسية. والمرد -في العربية- النضيج من ممر الأراك.
1 / 45