أي تقطع كلامها، ولا تكثره، كما قال ذو الرمة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر١
فقوله: رخيم الحواشي: أي مختصر٢ الأطراف وهذا ضد الهذر والإكثار وذاهب في التخفيف والإختصار قيل: فقد قال أيضًا: ولا نزر، وأيضًا فلسنا ندفع أن الخفر يقل معه الكلام، ويحذف فيه أحناء المقال إلا أنه على حال لا يكون ما يجري منه وإن قل ونزر أقل من الجمل التي هي قواعد الحديث، الذي يشوق موقعه ويروق مستمعه. وقد أكثرت الشعراء في هذا الموضع، حتى صار الدال عليه كالدال على المشاهد غير المشكوك فيه؛ ألا ترى إلى قوله:
وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا!
فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا ٣
-يعني حنين السحاب وسجره٤، وهذا لا يكون عن نبرة واحدة، ولا رزمة مختلسة، إنما يكون مع البدء فيه والرجع، وتثنى الحنين على صفحات السمع- وقول ابن الرومي ٥:
_________
١ من قصيدته التي مطلعها:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلا ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
٢ كذا فسر ابن جني "رخيم الحواشي" وكأنه ذهب بالترخيم إلى معناه في النحو، وهو حذف آخر الكلمة ففهم الكلمة ففهم منه معنى الاختصار. والمعروف في رخامة الصوت لينه. ويقول شارح الديوان: "رخيم الحواشي: أي لين نواحي الكلام" وانظر الديوان المطبوع في أوروبا ٢١٣.
٣ البيت الثاني غير مذكور في أ: وهذا البيت أورده صاحب اللسان في هيا، وفيه: "من طرب" في مكان "من فرح". والبيتان في أمالي القالي ٨٤/ ١ وعنده: تتايعت، قال في السمط ٢٧٥: "وهي رواية جيدة؛ لأن التتايع أخص بالشر، ونسب البيتين البلوي في "ألف باء" ٤٧٨/ ٢ إلى الراعي، وهو يقول في التقدمة لهما: "ألم تسمع أيها الواعي، قول الراعي".
٤ السجر في الأصل: صوت الناقة إذا مدت حنينها في إثر ولدها. وقد يستعمل في صوت الرعد، وهو المراد هنا.
٥ نسب ابن الشجري في حماسته ص١٩٥ الأبيات إلى البحتري.
1 / 30