بحرف واحد! لا بل كيف يمكنه أن يجرد للنطق حرفًا واحدًا؛ ألا تراه أن لو كان ساكنًا لزمه أن يدخل عليه مكن أوله همزة الوصل، ليجد سبيلًا إلى النطق به، نحو "أِب أِص أِق " وكذلك إن كان متحركًا فأراد الابتداء به والوقوف عليه قال في النطق بالباء من بكر: بَه وفي الصاد من صلة: صِه وفي القاف من قدرة: قُه؛ فقد علمت بذلك أن لاسبيل إلى النطق بالحرف الواحد مجردًا من غيره ساكنًا كان، أو متحركًا. فالكلام إذًا من بيت كثير إنما يعني به المفيد من هذه الألفاظ، القائم برأسه المتجاوز لما لا يفيد ولا يقوم برأسه من جنسه، ألا ترى إلى قول الآخر ١:
ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت٢ بأعناق المطي الأباطح
فقوله بأطراف الأحاديث يعلم منه أنه لا يكون إلا جملًا كثيرة، فضلًا عن الجملة الواحدة، فإن قلت: فقد قال الشنفرى:
كأن لها في الأرض نسيًا نقصه ... على أمها وإن تخاطبك تبلت٣
_________
١ نسب البيتين غير واحد لكثير عزة، وهما في ديوانه المطبوع نقلا عن معاهد التنصيص، ونسبهما المرزباني للمضرب بن كعب بن زهير. وانظر نوادر القالي ١٦٦ والسمط على النوادر، واللسان في "طرف".
٢ "سالت"، كذا في ش، ب، وفي أ: "مالت".
٣ النسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر، وتقعه: تتبع آثره لتجده، وعلى أمها "بفتح الهمزة" أي على سمتها وجهة قصدها، وقوله إن تخاطبك، يروى: إن تحدثك، وتبلت -بكسر اللام- أي تقطع الكلام من الحياء، وروي تبلت -بفتح اللام- أي تنقطع وتسكت، يريد شدة استحيائها فهي لا ترفع رأسها كأنها تطلب شيئًا في الأرض، والبيت من قصيدة مفضلية، وانظر شرح المفضليات لابن الأنباري ٢٠١، وانظر الكامل ١٠/ ٧.
1 / 29