قام محمد وأخوك جعفر، وفي الدار سعيد، فهو أيضًا كلام؛ كما كان لما وقع على الجملتين كلامًا. وهذا طريق المصدر لما كان جنسًا لفعله؛ ألا ترى أنه إذا قام قومة واحدة فقد كان منه قيام، وإذا قام قومتين فقد كان منه قيام، وإذا قام مائة قومة فقد كان منه قيام. فالكلام إذًا إنما هو جنس للجمل التوام: مفردها، ومثناها، ومجموعها؛ كما أن القيام جنس للقومات: مفردها ومثناها ومجموعها. فنظير القومة الواحدة من القيام الجملة الواحدة من الكلام. وهذا جلي.
ومما يؤنسك بأن الكلام إنما هو للجمل التوام دون الآحاد أن العرب لما أرادت الواحد من ذلك خصته باسم له لا يقع إلا على الواحد، وهو قولهم: "كلِمة "، وهي حجازية، و"كِلمة " وهي تميمية. ويزيدك في بيان ذلك قول كثير:
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة ركعا وسجودا١
ومعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجو٢، ولا تحزن، ولا تتملك قلب السامع، إنما ذلك فيما طال من الكلام، وأمتع سامعيه، بعذوبة مستمعه، ورقة حواشيه؛ وقد قال سيبويه ٣: "هذا باب أقل ما يكون عليه الكلم " فذكر هنالك حرف العطف، وفاءه، وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء، وغير ذلك مما هو على حرف واحد، وسمى كل واحد٤ من ذلك كلمة. فليت شعري: كيف يستعذب قول القائل، وإنما نطق
_________
١ من مقطوعة له مطلعها:
ولقد لقيت على الدريجة ليلة ... كانت عليك أيامنا وسعودا
وقبل البيت:
رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذو العذاب قعودا
وانظر شرح الديوان ١/ ٦٥ والعيني في الشواهد ٤/ ٤٦٠.
٢ في عبارة ابن سيده في اللسان في "كلم": "تشجيه"، وأشجاه وشجاه معناهما واحد.
٣ انظر الكتاب ص٣٠٤ ج٢، وترجمة الباب فيه: "هذا باب عدة ما يكون عليه الكلام".
٤ في عبارة ابن سيده في اللسان في "كلم": "واحدة".
1 / 28