وإياك والحنبلية بحتًا؛ فإنها خلق ذميم، ومطعم على علاته وخيم ١.
وقال سيبويه ٢: "هذا باب علم ما الكلم من العربية " فاختار الكلم على الكلام وذلك أن الكلام اسم من كلم بمنزلة السلام من سلم، وهما بمعنى التكليم والتسليم، وهما المصدران الجاريان على كلم وسلم قال الله سبحانه: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ وقال -عز اسمه: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فلما كان الكلام مصدرًا، يصلح لما يصلح له الجنس، ولا يختص بالعدد دون غيره٣، عدل عنه إلى الكلم، الذي هو جمع كلمة، بمنزلة٤ سلمة٥ وسلم، ونبقة ونبق، وثفنة٦ وثفن. وذلك أنه أراد تفسير ثلاثة أشياء مخصوصة، وهي الاسم، والفعل، والحرف، فجاء بما يخص الجمع، وهو الكلم، وترك ما لا يخص الجمع، وهو الكلام، فكان ذلك أليق بمعناه، وأوفق لمراده. فأما قول مزاحم العقيلي:
لظل رهينًا خاشع الطرف حطه ... تخلب جدوى والكلام الطرائف٧
_________
١ أي على كل حال.
٢ في أول الكتاب.
٣ كذا في الأصول، والأسوغ "بعدد".
٤ في ج. "مثل".
٥ هي الحجرة.
٦ الثفنة من البعير والناقة: الركبة.
٧ "الطرائف" كذا في أ. وفي ش، ب. "الطوائف" والبيت من قصيدته التي يقول فيها:
نقالا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من وافى مني أنا عارف
وقد أورد منها العيني في شواهده الكبرى بضعة أبيات، والبغدادي في شرح شواهد المغني بعضا، وصاحب فرحة الأديب بعضا، ولم أقف فيها على البيت الشاهد ولا سابقه. وأورد صاحب اللسان في "زغرف" منها بيتين أرجح أن الثاني منهما هو سابق هذا البيت وهو:
ولو بذلت أنسا الأعصم عاقل ... برأس الشرى قد طردته المخاوف
وقوله: بذلت هكذا أصلحته. وفي اللسان والتاج: أبدلت. والأعصم العاقل يريد الوعل، والعاقل من عقل إذا صعد. "ورهينا" ثابتا في مكانه لا يريمه من الطرب لما سمع، "جدوى": المرأة التي يتغزل بها، وقد ذكرها في بيت آخر من القصيدة إذ يقول:
تذكرني جدوى على النأي والعاي ... طوال الليالي والحام الهواتف
وتخليها: دلها وحسن حديثها وسلبها عقل من يقع في حبالة هواها.
1 / 26