قوله:
وقالت له العينان سمعًا وطاعة
فإنه وإن لم يكن منهما صوت فإن الحال آذنت بأن لو كان لهما جارحة نطق لقالتا: سمعًا وطاعة. وقد حرر هذا الموضع وأوضحه عنترة بقوله:
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
وامتثله شاعرنا١ آخرًا فقال:
فلو قدر السنان على لسان ... لقال لك السنان كما أقول
وقال أيضًا:
لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدت محيية إليك الأغصنا
ولا تستنكر ذكر هذا الرجل -وإن كان مولدًا- في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المولدون كما يتناهبها المتقدمون. وقد كان أبو العباس٢ -وهو الكثير التعقب لجلة الناس- احتج بشيء من شعر حبيب٣ بن أوس الطائي في كتابه في الاشتقاق، لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه، فأنشد فيه له ٤:
لو رأينا التوكيد خطة عجز ... ما شفعنا الأذان بالتثويب٥
_________
١ يريد بقوله شاعرنا المتنبي وكان ابن جني يحضر عند المتنبي الكثير، يناظره في شيء من النحو، وكان المتنبي يعجب به وبذكائه وحذقه. ويقول: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، ويقول ابن جني في المحتسب وقد استشهد ببيت المتنبي: "ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيرته، وركت طريقته: هذا شاعر محدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز! فإن المعاني لا يرفعها تقدم، ولا يزري بها تأخر"، ولابن جني شرحان على ديوان المتنبي. انظر البغية ومعجم الأدباء.
٢ يريد المبرد محمد بن يزيد الإمام في النحو واللغة والأخبار. كانت وفاته سنة ٣٨٥هـ.
٣ هو أبو تمام. وتوفي بالموصل سنة ٢٣١.
٤ كذا في أوفي ب، ش. "قوله".
٥ في أ: "إليك في التثويب" بعد شفعنا.
1 / 25