وهنا احتد سليمان بك عتة كعادته إذا خسر «عشرة» واشتبك معه سيد عارف في مصاولة لاذعة لم تلبث أن انتظمت جميع المتوثبين من أهل المجون فانقطع حديث رمضان الأول! •••
وعند منتصف الثانية عشرة نهض أحمد عاكف يريد الانصراف فقام معه نونو وهو يقول: سأذهب إلى البيت لأحضر معطفي لأن الجو تشتد برودته عند الفجر.
ومضيا معا، وفي الطريق سأل المعلم صاحبه: لماذا لا تمد السهرة حتى السحور؟
فقال الكهل بلهجة فاترة: إني أمضي الوقت ما بين الساعة الثانية عشرة وما بين السحور في القراءة. - أتقرأ كتبا! - أجل، وما يقرأ غير الكتب؟! - وفيم هذا التعب؟
فابتسم أحمد عاكف وقال: هواية يا معلم نونو! - ولكن الهواية ينبغي أن تكون ذات فائدة ما، فهل تطيل الكتب العمر؟! تدفع المرض؟! تمنع المقدور؟! تجنب الشقاء؟! تملأ الجيب؟!
فقال أحمد وما يزال يبتسم وقد عاوده شعور الاستعلاء والسرور: بل أريد أن أكتب كتابا أيضا؟ - هذا أنكى وأمر، هل أنت صحفي! - هبني أجبت بالإيجاب؟ - مستحيل! - ولمه؟ - أنت ابن ناس طيبين!
فضحك أحمد ضحكة قذفت بحنق الليلة خارج صدره وقال: ولكني سأكتب كتابا. - الكتب في الدنيا أكثر من بني آدم، ألم تر إلى مكتبة الحلبي تحت الكلوب المصري؟! .. فيها كتب - يا دين محمد - لو صفت جنبا إلى جنب لكاثرت طلبة الأزهر، فهل تبذل ما تبذل من جهد لتضيف إليها كتابا جديدا؟! - نعم .. نعم .. فلكل كتاب فائدته. - إليك هواية لطيفة لن تقتضيك جهدا. - ما عسى أن تكون؟ - أما تعرفها؟ حزر! - لا علم لي يا معلم. - يدعونها تسلية رمضان وفرحة الزمان. - فما اسمها؟ - في الأصل من التراب ولكن مرعاها فوق السحاب. - عجبا! - واردها إما في الليمان أو على كرسي السلطان! - ليس في الدنيا شيء كهذا. - يهواها الفقير والوزير! - لحد هذا؟! - عزاء الحزنان وشرب الفرحان! - ما أشوقني إلى معرفتها! - قد النبقة وتنفع في كل زنقة. - هذا سحر. - أحضروها من بلاد الفيل تحفة لأهل النيل! - هل تجد فيما تقول؟ - ألم تسمع عن الحشيش؟!
وارتاع الكهل لوقع الكلمة، فضحك المعلم وقال يغويه: تعال طاوعني. الحياة ملأى بما هو ألذ من الكتب.
وأغراه حب الاستطلاع بأن يسأله: أين؟ - المكان تحت أمرك إذا وافقت وشرفتنا. - ألا تخاف الشرطة ؟ - أعرف كيف أتقى شرها! .. فماذا قلت؟
فابتسم أحمد وقال له: لا شأن لي بهذه الهواية الساحرة، شكرا لك يا معلم. •••
Bilinmeyen sayfa