يستطيع دري أن يكون حبيبها، ولكن يجب وجوبا ألا يكون زوجها.
دري طبيب عظام من أشهر أطباء العظام، وهي تعرف أنه يحب أن يكون سعيدا في بيته غاية السعادة؛ فهي تعرف زوجته، وكثيرا ما روت لها عن عاداته في البيت، وكيف أصبح البيت جميعه، ولا عمل له إلا إرضاؤه وإتاحة الهدوء والراحة له في الساعات التي يقضيها في البيت.
عرفته سهام يوم التوت قدمها، وهي تخرج من البانيو، ومن ذلك اليوم توطدت الصداقة بينهما، وقد أحبت أن تكون هذه الصداقة أسرية، فما إن شفيت حتى دعته هو وزوجته إلى البيت ولبى الدعوة، واستطاعت سهام أن توطد صداقتها بناهد وأحبتها ناهد، حتى لقد كانت تلقي إليها بخفايا نفسها، وما يجيش في صدرها من وسواس.
ولم تدهش سهام كثيرا حين دعاها دري يوما إلى أن تخرج معه منفردين، ولم تدهش كذلك حين أخبرها أن لديه شقة صغيرة يحب أن يخلو فيها إلى نفسه.
والعجيب أن دري أيضا لم يدهش حين قالت له سهام قبل أن تخرج من الشقة: أين مفتاح هذه الشقة؟ - هذا هو. - أمعك مفتاح آخر؟ - لا داعي لمفتاح آخر. - هل هناك مفتاح آخر لهذه الشقة مع أحد؟ - أبدا. - كن واثقا. - إني واثق. - فأنت إذن ستعطيني هذا المفتاح، ولن تفتح هذه الشقة لغيري. - هذا أمر؟ - تستطيع أن ترفض. - بل لا أستطيع أن أرفض، هذا هو المفتاح! - قد آتي هنا من حين لآخر من غير علمك لأرتب الشقة، ولأشتري ما تحتاج إليه فيها، فاحذر أن تكون أعطيت المفتاح لغيري. - لا تخافي. - عليك أنت أن تخاف، فإنك ستجد قتيلة في شقة مستأجرة باسمك. - أنا أقدر هذا، ولن يأتي أحد إلى هذه الشقة مطلقا. - اتفقنا.
ولهذا بدأت علاقتهما، وكان عجيبا أن تحاول سهام أن توطد صلتها مع الأيام أكثر وأكثر مع ناهد، وقد يبدو للنظرة المجردة الساذجة أن سهام لن تخبرها أن هناك صلة في الخفاء بينها وبين أحد، ولكن سهام بذكاء خارق أخبرتها أنها تعرف شخصا آخر غير زوجها، فإن ناهد لن تتصور أن هذا الشخص الآخر هو زوجها، ولم تكن سهام تريد أن تظن بها ناهد الغفلة، لدرجة أنها ترضى بزوجها هذا الذي يدل منظره على الغباء الشديد، فهي تحب أن تظهرها على ذكائها، وعلى معرفتها بسخافة زوجها، وتحب أيضا أن تعرف منها ناهد أنها مثار إغراء للرجال، وأن جمالها ليس عاطلا عن جذب من يقدره ويعرف قيمته.
فلم يكن خافيا أن زوجها يقدر غناها الشديد، وإنفاقها على البيت، أما الجمال فلم يكن عنده بالأمر الخطير الذي يقيم حياة.
وكثرت زيارات ناهد إلى سهام، وكان دري كثيرا ما يمر على زوجته عند سهام، وكثيرا ما يقضيان السهرة هناك، وكان حمدي سعيدا بهذه الصداقة الجديدة التي ظن أنها قامت بين دري وبينه، وكثيرا ما كان يلح على ابنه أسامة وابنته فريدة أن يقضيا السهرة في البيت؛ لأن عمهما دري سيكون موجودا.
ولم يكن أسامة أو فريدة يهمهما من أمر أبيهما شيء؛ فقد كان عندهما مجرد سميتريه لأمهما، ما دام هناك أم فلا بد أن يكون هناك أب، هذا كل ما في الأمر؛ فأبوهما هو مجرد التكملة الطبيعية أو غير الطبيعية لأمهما، وهكذا كانا يستهينان برأيه، فقد كان أسامة في السابعة عشرة، حين كانت فريدة في الخامسة عشرة، وفي هذه السن كان من المفروض ألا يعرفا لأبيهما غير الاحترام، ولكن الاحترام شيء هلامي لا شكل له، ولا صورة، ولا قوام، والشخص إما أن يكون محترما، أو لا يكون بهبة من الطبيعة لا يعرف مأتاها إلا الخالق العظيم الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
وصاحب هذه الموهبة يفرضها على جميع من يتصل به دون أن يقوم هو بأي عمل، إنما يجد نفسه محترما، ويجد الناس أنفسهم يحترمونه، ومثل كل موهبة لا بد للشخص أن يعين ما وهب له أو هو يجد نفسه كذلك دون أن يدري، فهو يترفع عن الصغار، ويختار الحديث قبل أن يلقيه ولا يقف موقفا مزريا أمام نفسه أو أمام الآخرين. والاحترام نوع من الموهبة التي تتوزع بين الناس بقدر، فمنهم من نال منها قسطا أوفى، ومنهم من نال منها قسطا أدنى، ومنهم من لم ينل منها قسطا ولا حظا، وهكذا لم يكن أسامة أو فريدة يحترمان أباهما، وربما كان خدم البيت هم الذين ألقوا هذا النوع من عدم الاحترام إلى نفس السيدين الصغيرين.
Bilinmeyen sayfa