والعامل في هذا الحال موفر القوة العضلية، وهو يترك عمله مرتاحا مستعدا لأن يقوم بأي مجهود آخر، فهو ليس مثل ذلك العامل الذي يترك عمله عندنا منهوكا لا يستطيع النظر في الجريدة أو كتاب، حتى لو وجد الفراغ للقراءة.
ولكننا أيضا صائرون إلى هذه الحال في مصر؛ أي إن العمل لن يجهدنا، ولن يستهلك سوى أقل الوقت، فنخرج منه مرتاحين مستعدين للفراغ الذي نملؤه بما يرقينا ذهنيا ونفسيا وروحيا.
وسبب آخر يجعل التثقيف الذاتي حتميا، وهو في نظر المؤلف أهم الأسباب: أن مسئولية الفرد قد أصبحت خطيرة، فقد كانت الدنيا تسير في العصور السابقة بحكم الملوك والأمراء والنبلاء والوزراء، أما الآن فإن الدنيا كلها تتجه نحو الديمقراطية، حيث أفراد الشعب يجب أن يكونوا الحاكمين الحقيقيين، ولا يمكن الفرد أن يضطلع بالحكم إلا إذا كان مستنيرا في شئونه، والحكم هنا هو حكم الدنيا كلها؛ لأن الشر - كالوباء - لا يتجزأ ولا يتحيز، فكما أن الوباء ينتقل من قطر إلى قطر، كذلك الشر والسياسة (مثل المبادئ الإمبراطورية والاستعمارية والفاشية) تنتقل بالعدوى، وتحدث الدمار والخراب في أنحاء العالم بالحروب والثورات والانفجارات.
وتقدم الآلات الذي ذكرنا، والذي قلنا إنه سيزيد فراغنا، هذا التقدم نفسه قد جعل خطر الحروب بل خطر الاستبداد كبيرا جدا، فلا يمكن أن نتقيهما إلا إذا جعلنا كل فرد في أنحاء العالم مثقفا مستنيرا يميز بين المعرفة المرشدة وبين الدعاية المضللة.
وظهور الأخطار الذرية والهيدروجينية يجعل التثقيف الذاتي ضرورة حتمية؛ لآن غير المثقف لن يفهم هذه الأخطار، بل هو قد يساعد بجهله على الدعاية لها وصنعها.
فإذا ألممنا بجميع هذه الاعتبارات، أمكننا في حق وصدق أن نقول إن التثقيف الذاتي هو واجب ديني على كل إنسان؛ لأنه الضمان للحكم الصالح على هذا الكوكب.
كيف نربي أنفسنا
كان جرانت ألين الأديب الإنجليزي يقول على سبيل التهكم بالمدارس: يجب أن نمنع المدارس من التدخل في تربية أولادنا.
وهو بذلك يعني أن المدارس لا يمكنها أن تربي الناس، وأنها إذا حاولت ذلك فلن تنجح، وأن مكان التربية الحقيقي هو البيت أو الشارع أو المجتمع، ولا يشك أحد الآن في أن قدرة المدرسة على التربية لإيجاد النزعات، وتكوين الأخلاق، والتوجيه الاجتماعي أو الفلسفي، صغيرة وأننا نحصل على هذه الأشياء جميعها من بيئات أخرى غير المدرسة، وهي تتكون وتنمو معنا نمو الحياة.
ولكن على فرض أن المدرسة تربي كما تعلم، فإن الناس ليسوا سواء في الحصول على الفرص المدرسية أو الجامعية؛ فإن منهم من يقتصر على التعليم الابتدائي، ومنهم من يصل إلى الشهادة الثانوية، وعدد الذين يحصلون على تعليم جامعي صغير محدود.
Bilinmeyen sayfa