3
وذلك بما هو هيولي إنما هو علة الأشياء الكائنة، ولكن بما هو غرض غائي فالعلة إنما هي الصورة والنوع. وهذا هو حد الماهية لكل شيء.
4
ولكنه يجب أن يضاف إلى هذين المبدأين مبدأ ثالث، هذا المبدأ لا يظهر على الفلاسفة أنهم لمحوه إلا كما في الحلم، ولم يتكلم عنه ولا واحد منهم بنوع من الضبط، فقد ظن بعضهم كسقراط في «الفيدون» أن طبع المثل قد يكفي لتعبير كون الأشياء؛ لأن سقراط - وهو يعيب على الآخرين أنهم لم يقولوا شيئا في هذا الصدد - يفترض أن من الأشياء التي توجد بعضها هي المثل والأخرى تتلقى هذه المثل التي تشاركها؛ وأن كون كل شيء هو مسمى بحسب مثاله، وأن الأشياء تتكون متى تتلقى هذا المثال، وأنها تفسد متى تعدمه. وبالنتيجة إذا كان كل هذا حقا فيكون سقراط يرى أن المثل هي بالضرورة علة كون الأشياء وفسادها، وآخرون على الضد قد ظنوا أنهم يرون هذه العلة في المادة نفسها؛ لأنه منها على رأيهم تصدر الحركة.
5
ولكن ليس الأولون ولا الآخرون على حق؛ لأنه إذا كانت المثل هي في الحق عللا، فلماذا لا تكون دائما بطريقة مستمرة؟ ولماذا هي تكون تارة ولا تكون تارة أخرى مع أن المثل تبقى دائما هي والأشياء التي يمكن أن تشركها؟ زد على هذا أنه يوجد أشياء يرى جليا أن العلة فيها إنما هي شيء آخر غير المثال، فإنما الطبيب هو الذي يعمل الصحة، وإنما العالم هو الذي يعمل العلم مع أن الصحة ذاتها والعلم ذاته موجودان هما والكائنات التي يقومان بها. كذلك الحال أيضا في جميع الأشياء المصنوعة بحسب الفن الذي يمكن أن يتمها.
6
ومن جهة أخرى حينما يدعي أن المادة هي التي تكون الأشياء بالحركة التي تعطيها إياها، فلا شك أن هذا الرأي هو أكثر موافقة للطبع من نظرية المثل؛ لأن ما يحيل الأشياء ويغير أشكالها يمكن أن يظهر أكثر من غيره بمظهر العلة في كونها. وعلى العموم في كل كائنات الطبيعة كما في كل كائنات الفن ينظر عادة إلى كل ما يعطيها الحركة كأنه هو الفاعل لها.
7
ومع ذلك فإن هؤلاء الفلاسفة الأخيرين ليسوا على حق؛ لأن الانفعال والتحرك إنما هما الخاصتان اللتان تتعلقان بالمادة، في حين التحريك والفعل يختصان بقوة مغايرة تمام المغايرة. وهذا هو ما يمكن مشاهدته أيضا في كل ما يعمله الفن كما في كل ما يعمله الطبع؛ إذن فليس الماء نفسه هو الذي يوجد الحيوان الذي يخرج من باطنه (بل هو الطبع). كذلك ليس الخشب هو الذي يصنع السرير بل هي الصناعة؛ ومن ثم يمكن استنتاج أن هؤلاء الفلاسفة لم يحسنوا هم أيضا التعبير، وخطؤهم آت من أنهم أغفلوا العلة الأهم من جميع العلل بحذفهم الماهية والصورة.
Bilinmeyen sayfa