الناس يتبركون به، ولهم فيه مزيد اعتقاد، وكان تحمل إليه الهدايا والإدرارات خصوصًا إذا شرع في التوجه إلى مولد سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى عنه -، وكان مقبول الشفاعة، في الدولتين، مسموع الكلمة عند ملك الأمراء، فمن دونه، وكان إذا دخل على نائب مصر انتصب له قائمًا، وانفرد به وقضى حوائجه، وقبل شفاعته، واعتبر كلامه، وأظهر ذلك بين خواصه وجماعته، وجعله أبًا له، وكان يقطع خصومات، وينفذ أمورًا لا يقدر عليها غيره، وكان يستخلص من القتل، وكان عليه السكينة والدهابة، وظهرت عليه خوارق وهابه الناس، وأقبلت عليه الدنيا، وكثرت مزارعه ومواشيه، وزوجه الأعيان ببناتهم، وبنيت له الزوايا، وعمرت له العمائر، وبقي على مكانته إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الثانية سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ولما بلغ ملك الأمراء موته تأسف عليه، وأجلس أولاده في حجره، ورسم لهم بإمضاء جميع جهاتهم، وأبقاهم على ما كان بيده رحمه الله تعالى.
٤٢ - محمد بن ظهيرة: محمد بن أبي السعود بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة، قاضي قضاة مكة المشرفة صلاح الدين بن ظهيرة المكي الشافعي. جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب. بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان. أطلق كل من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة. بل أبقاه في الحبس، وسافر، فقتل في مرج دابق، فلما وصل الخبر بقتله، وكسر عسكر الجراكسة إلى مصر، وتسلطن طومان باي. توجه السلطان طومان باي إلى الحبس، وأطلق القاضي صلاح الدين، ثم لما وصل السلطان سليم خان إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدين، فاكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلى مكة معزوزًا مكرمًا مع الإحسان إليه، وكان بمصر جماعة من الحجازيين، فأحسن السلطان سليم إليهم كلهم، وكان القاضي صلاح الدين هو المشار إليه في تفرقة الصدقات السليمية في تلك السنة، وخطب عام إذ في الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي رحمه الله تعالى - في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع وعشرين وتسعمائة. وصلي عليه غائبًا بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ربيع الأول سنة وعشرين وتسعمائة.
٤٣ - محمد المقري: محمد بن أبي عبيد، الشيخ الإمام العالم العلامة، شمس الدين المقري الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة. قال الحمصي: وكان فاضلًا ذكيًا مفننًا. توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحاكم، وكانت جنازته حافلة.
1 / 28